الصلاة المارادونية، تماما كالصلاة الربانية في المسيحية. نعم، كنيسة مارادونا حقيقية، وهناك ما يقرب من 200 ألف شخص على ظهر كوكب الأرض يعتبرونه إلها. في 30 أكتوبر 1998 (عيد ميلاد دييجو الـ38) أسس كل من هيكتور كامبومار، اليخاندرو فيرون، وهيرنانآميز"كنيسة مارادونا" في مدينة روساريو الأرجنتينية. وفقا للكنيسة، كرة القدم هي الديانة، وكسائر الأديان هناك إله. إله كرة القدم أرجنتيني واسمه دييجو أرماندو مارادونا. اليوم، في الثلاثين من أكتوبر من عام 2016، يحتفل دييجو بعيد ميلاده الـ56.. ونحن نحتفل معه أيضا ونعبر له عن خالص شكرنا وامتنانا لوجوده هناك، متقدما طابور أساطير لعبتنا المحبوبة، كرة القدم. يقول مارادونا عن مباراته الأولى كلاعب محترف:"اه.. ذلك اليوم! شعرت أن السماوات هنا بين يدي". لم يكن مارادونا قد أكمل عامه السادس عشر بعد عندما خاض هذا اللقاء بقميص ارجنتينوس جونيورز، وعلى ظهره الرقم 16، وها هو يتحدث عن السماوات التي سيملكها بعد أعوام لاحقة في نظر مهاويسه، وكأنه يعرف مصيره مسبقا بطريقة ماورائية. "أعطني الكرة وسأستمتع. أعطني الكرة واتركني أفعل ما أتقنه. في أي مكان بالملعب، سأستمتع، حتى لو في ماراكانا أو ويمبلي، أمام 100 ألف مشجع" لعب دييجو لفريقين محليين في الأرجنتين قبل أن يلعب لفريق ارجنتينو سجونيورز الذي شهد بداية الرحلة الحقيقة، ثم منه إلى بوكا جونيورز الذي يظهر كثيرا في ملعبه بعد اعتزاله، ثم وجد نفسه في برشلونة. تجربة مارادونا في برشلونة هي عكس كل ما مر به ميسي مع هذا الفريق، تعرض دييجو للعنصرية من جماهير فريقه، الاضطهاد من رئيس ناديه، والكثير من الضرب المبرح على يد –وأقدام- خصومه. يحكي دييجو في كتابه عن تلك الفترة قائلا: "كانت فترة صعبة، مظلمة، ومعقدة". "قبل برشلونة كنت ألعب كرة القدم باستمتاع، لكن ما عشته هناك لم يكن كرة قدم أو رياضة، بلغ الحد إلى توجيه الضربات إلى فمي ووجهي". مشاكل عديدة مع مدربيه ورئيس النادي، خوسيه لويس نونيز، الذي كان السبب الرئيسي في هروب دييجو إلى جنة كرة القدم، إيطاليا. "اهرب يا حبيبي وكن كالظبي أو كغفر الآيائل على جبال الأطياب" 7 سنوات في الجنوب. هل تعرفون كيف يغيّر الثعبان جلده؟ هكذا فعل مارادونا في نابولي. ليست مدينة حسنة السمعة، وربما توهّج هو هناك لهذا السبب بالتحديد. في الحقيقة، لم يكن يعرف مارادونا أي شيء عن نابولي، كان اسم نابولي بالنسبة له مجرد شيء إيطالي مثل البيتزا. لا شيء مميز، لكنه كان سيقبل بأي شيء للرحيل عن برشلونة. حتى عندما فاوضوه وهو في برشلونة لم يكن يعرف ما هو نابولي. لكن السؤال هو، لماذا لم يذهب ليوفنتوس أو ميلان، أو حتى إنتر؟ "مارادونا لديه جسدا هزيلا، لا يصلح للعب ليوفي، ولا يمكنه أن يصل لمكانة مرموقة في اللعبة". هل تصدقون أن هذه الكلمات خرجت بالفعل من فم أحدهم؟ لقد كان جيامبيرو بونيبيرتي رئيس يوفنتوس!. لماذا نابولي؟ لأنه الوحيد الذي قدم عرضا، الوحيد الذي كان مهتما بخدمات دييجو منذ زمن. 7 أعوام في الجنوب كانت كافية لأن يعبد البعض مارادونا. الظهور الأول - الخامس من يوليو عام 1984. 80 ألف شخصا حضروا ليروا معجزات دييجو تخرج من كاتدرائية سان باولو. لقد وصل الأمر إلى حد الهوس. هنا وجد دييجو من يؤمنون به حقا. بعض عشاق نابولي أضربوا عن الطعام حتى يوقع مارادونا على العقود. قام أحدهم بربط نفسه بسلسلة حديدية على بوابة سان باولو في انتظار الإعلان عن إتمام الصفقة. لقد وجد مارادونا أتباعه الأوفياء أخيرا، وها هم قد حضروا، 80 ألف منهم أمام عينيه في لحظة سيذكرها هو والتاريخ للأبد. ولد دييجو فقيرا في ضواحي بوينس ايرس، وأراد أن يصبح رمزا للأطفال الفقراء هناك في نابولي. لم يكن نابولي ذلك النادي الذي يقارع الكبار وقتها. في الحقيقة، عان الفريق على مدار المواسم الثلاثة السابقة لتوقيع مارادونا وكان في كل مرة قريب من الهبوط. علم دييجو كل هذا وقرر أن يمنحهم شيئا ليتذكروه. في الموسم الأول، وجد نابولي نفسه في المركز الثامن. المركز الثالث كان من نصيبهم في الموسم التالي. ما سيحدث خلال العام 1986 كان كفيلا بأن يجعله بحق معبود الأرجنتينيين والطليان. في التراث اليهودي، أرسل الله لوحي الشريعة لنبيه موسى، وقد دون عليها الوصايا العشر، وهي إلزامية بحيث لا يمكن أن يعفى أحد من الالتزام بما جاء فيها. حين سئل المسيح: "أي عمل صالح أعمل لأرث الحياة الأبدية؟"، أجاب: "احفظ الوصايا". لدى كنيسة مارادونا شريعتها الخاصة أيضا. إليكم الوصايا العشر لايجليسيا مارادونيانا: 1- لا تدنس الكرة. 2- حب كرة القدم أكثر من أي شيء. 3- أعلن حبك غير المشروط لدييجو ولجمال كرة القدم. 4- دافع عن ألوان قميص الأرجنتين. 5- بشّر بمعجزات دييجو في جميع أنحاء الأرض. 6- كرّم الأماكن التي لعب بها وقمصانه المقدسة. 7- لا تشهر اسم دييجو كعضو في فريق. 8- اتبع وانشر تعاليم الكنيسة المارادونية. 9- اجعل "دييجو" هو اسمك الأوسط. 10- أطلق اسم دييجو على مولودك الأول. يبدأ التقويم عند أتباع كنيسة مارادونا منذ ميلاد دييجو في 1960. وتحتفل الكنيسة مرتين سنويا – عيد الميلاد المجيد، 30 أكتوبر، وهو تاريخ ميلاد دييجو. العيد الثاني يأتي في 22 يونيو من كل عام، تخليدا لذكرى فوز الأرجنتين على إنجلترا في ربع نهائي كأس العالم 1986. كأس العالم. لم يتشرف بوجود دييجو في نسخة 1978، ظهر في 1982 لكن الأرجنتين لم تعد بالكأس من إسبانيا، ثم ذلك العام. 1986. حيث يبدأ كل شيء. " يد الله هي التي أحرزت هذا الهدف" نحن الآن في ملعب ازيتكا العتيق بمدينة مكسيكو سيتي. الطقس حار للغاية في ظهر يونيو. معجزة دييجو الأولى بدأت قبل بداية تلك المباراة حتى. من جديد، وبطريقة ماورائية أيضا، أنار دييجو درب الأرجنتين نجو الكأس الغالية. هل تعلمون أن دييجو كان مسؤولا عن اختيار الأطقم التي ارتداها منتخب التانجو في ذلك اليوم؟ لعبت الأرجنتين في دور الـ16 أمام أوروجواي بقمصان مصنوعة من القطن، ولم يرد المدرب كارلوس بيلاردو أن يدخل لاعبيه المباراة القادمة في الحر بذات الأقمصة، أعتقد أنها قد تؤثر على لاعبيه. لا تتوفر الآن تلك الرفاهية لاختيار أطقم جديدة بالطبع. لذلك، أرسل بيلاردو أحد مساعديه قبل ثلاثة أيام من المباراة للبحث عن مادة أخف ليرتديها لاعبي المنتخب أمام إنجلترا. وقع الاختيار على طاقمين مختلفين لكنه ظل في حيرة من أمره، ثم ظهر مارادونا وأشار لواحد منهما قائلا: "يبدو هذا القميص جيدا. سنهزم إنجلترا بهذا". وفّر روبن موسكيلا للمنتخب بأكمله أقمصة جديدة من هذه المادة، وأزاحوا شعار المنتخب من الأقمصة القديمة وقاموا بحياكتها على الأقمصة الجديدة. قام اللاعبون بأنفسهم بلصق وكي أرقامهم على ظهر الأقمصة. بعد ساعات قليلة، كان مارادونا ينطلق داخل منطقة الجزاء ثم قفز في الهواء بكل ما أوتي من قوة، حتى أنه لا يعرف كيف وصل إلى هذا الارتفاع!! مد قبضة يده اليسرى ورأسه في الخلف، بيتر شيلتون الذي كان يحرس عرين الإنجليز بنفسه لم يلاحظ الأمر. انه الهدف الذي أثار جدلا أكثر من أي شيء آخر في كرة القدم. ظنوا أنها يده لكنها كانت "يد الله" كما يقول مارادونا. أما الهدف الثاني فهو الأعظم في القرن الـ20. لا يمكن أن يكون حقيقيا، يمكنك أن تتخيله في ذهنك أو أن تراه في أحلامك السعيدة. أن يحدث في الواقع؟ أمر لا يصدق، انه مثل الخرافات. يحكي مارادونا: "وأنا أراوغ الإنجليز قبل الهدف تذكرت أخي". "قبل أقل من 6 أعوام على هذا الهدف، بالتحديد في 13 مايو 1981 خلال مباراة ودية بين الأرجنتين وإنجلترا أيضا، على ملعب ويمبلي، كنت على وشك تسجيل نفس الهدف، كانت هجمة مشابهة للغاية، وبعد فاصل من المراوغات انقض عليّ الحارس فخرجت التسديدة بعيدا عن المرمى". "عاتبني شقيقي آنذاك، قال لي أن الحل الأفضل كان مراوغة الحارس وعدم الاستعجال في التسديد". "كان أخي في السابعة من عمره، لكنه صاحب نظرة ثاقبة، عملت بنصيحته أمام إنجلترا أيضا في 86 على ملعب أزتيكا". 7 سنوات في الجنوب كانت كافية لأن يعبد البعض مارادونا. فاز مارادونا أخيرا بكأس العالم. لكنه، على الرغم من ذلك، يعتبر فوزه بأول اسكوديتو لنابولي خلال 60 عاما كان انتصارا لا يقارن بأي انتصار آخر، حتى بكأس العالم نفسه! "نحن من صنعنا نابولي. بدأنا من تحت الأرض، لم يكن نصرا لفريق بل لمدينة بأكملها، كان احتفالا جنونيا". "كنت أنا بالنسبة لشعب نابولي ربان السفينة، العَلَم والرمز" ذهب الأحياء لمقابر الأموات في مدينة نابولي ورفعوا لافتات كتب عليها "آه لو تعلمون ما فاتكم!". ترقص أرواح الأموات فرحا منشدين الصلاة المارادونية، ذلك القديس الذي جاء من ضواحي بوينس آيريس وعانى من الاضطهاد والعذاب في برشلونة، قبل أن يصل إلى نابولي، أرض الميعاد. "لقد صلب، قتل، وعذب أبعدوه عن الملاعب قطعوا أرجله لكنه عاد وقدراته السحرية ولدت من جديد"
مشاركة :