الآن، وبعد مقدمة الأسبوع الماضي حول أصول وظروف هيمنة المجتمع الريعي.. هل من الضروري تخطي هذا المجتمع.. وكيف؟ الإجابة عن ضرورة تخطي هذا المجتمع سهلة وملحة في الواقع. ليس لأن أسعار النفط غير ثابتة، وليس لأن العالم في سعي حثيث للتقليل من اعتماده على النفط كطاقة، ولكن لأنه وكما قال بعض الفلاسفة فإن المجتمع الريعي يحمل بذاته بذور فنائه. فمهما تزايدت أسعار النفط وتضخم إنتاجه، فإن كل ذلك لن يغطي الشراهة المتزايدة للمجتمع الريعي الذي يولّد سلبيات الاستهلاك ويتفنن في تضاعفها. التي تنهش بدورها في جسم المجتمع الريعي وتفككه. قبل هيمنة العقلية الريعية، كان متوسط العائلة الكويتية هو 5 – 6، الآن ارتفع العدد- كما اعتقد- الى 7 – 8. قبل هيمنة العقلية الريعية كانت نسبة الوافدين الى المواطنين 1-1 او اقل. الآن يقابل كل مواطن ثلاثة وافدين.. ولا تسألوا لماذا.. لأن الإجابة مخجلة. إن المجتمع الريعي يتلاشى وعاجز عن الصمود. سلبياته تولد مزيدا من السلبيات، وايجابيات المجتمع القديم تُدمر وتتلاشى. لهذا فإنه في نهاية المطاف لن يتمكن المجتمع الريعي من الصمود حتى ولو ثبتت او زادت أسعار النفط.. لأنه يدمر نفسه بنفسه او حسب القول الشعبي «بياكل بعضه»، او مرة ثانية حسب رأي الفلاسفة يحمل في ذاته بذور فنائه. لهذا فان تخطي المجتمع الريعي ونبذه قضية حتمية للاستمرار والبقاء، وأمر لا بد منه لكل الكويتيين. المعضلة.. هي كيف..؟ كيف نتخطى المجتمع الريعي او كيف نستعيد ايجابيات وقيم وعقلية المجتمعات الطبيعية، العاملة والمنتجة؟! غني عن القول ان الإجابة صعبة، ولا أعتقد ان مؤهلاتي ومعلوماتي المتواضعة تؤهلني لتحديد اجابة كافية او لكتابة وصفة شافية للحل الذي نحن فيه. الأمراض التي نعاني منها نتيجة الاقتصاد الريعي حديثة، معقدة ومتجددة أيضا. وهي بحاجة الى دراسات وتوصيات المختصين الاجتماعيين والنفسيين وأهل الإدارة والاقتصاد، ومع الأسف لست منهم.. وقبل كل هذا هي بحاجة الى قرار او قرارات سياسية تنهي بحزم مجتمع الترفيه، وتضع حدا للإنفاق الريعي. لهذا كنت قد دعوت قبل مدة الى التضافر وعقد مؤتمر وطني يقرر الاتجاه في هذا الخط والمضي قدما في السياسات الكفيلة بتصحيح مجتمع الإنفاق الريعي، واستعادة روح وقيم المجتمعات الحية الحديثة. لن تستطيع الحكومة وحدها أن «تعدل» الوضع. فحجم المعارضة للإصلاحات الاقتصادية كبير، والأكبر منه معارضة التعديلات الاجتماعية حيث تقف العقلية الدينية والقبلية بالمرصاد لأي تطوير او تثوير بهذا الخصوص. الانعتاق من الهيمنة الريعية.. كيف؟ (2)بناء الاقتصاد.. بناء الإنسان عبداللطيف الدعيج
مشاركة :