زيارة استراتيجية هامة قام بها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى العاصمة الفرنسية باريس، حيث أجرى خلالها مباحثات مكثفة مع كبار القادة وفي مقدمتهم الرئيس فرانسوا هولاند الذي تطلع إلى توسيع قاعدة الشراكة والتعاون بين فرنسا والمملكة العربية السعودية على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية وفي مجال مكافحة الإرهاب، إضافة إلى رفع مستوى التعاون في المنطقة بما يحقق المصلحتين الفرنسية والسعودية. هذه الزيارة المفصلية جاءت بعد إقرار المفوضية العامة للاتحاد الأوروبي للجانب الفرنسي بدور محوري وأساسي في الملفين اللبناني والسوري وغداة الدور المتعاظم السياسي الفرنسي في مواجهة التحديات والتطورات السياسية في المنطقة العربية والأروقة الدولية وفي ظل النشاط الإرهابي الذي يغزو المنطقة ويهدد استقرارها ويعبث في مكوناتها مفسحا المجال لمشاريع التقسيم والتجزئة أن تطل برأسها مرخية بظلالها السوداء على مستقبل التنمية والتقدم فيها وفارضة نوعا من العزلة والغربة لم تعتدها أمتنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية. زيارة الأمير سلمان بن عبدالعزيز حملت معها رغبة السعودية وآمال اللبنانيين في دعم مسيرة استقرار لبنان وصيانة ووحدة أراضيه وأمنه عبر إطلاق وتسهيل مفاعيل الهبة السعودية للجيش والقوى المسلحة اللبنانية والبالغة ثلاثة مليارات دولار كانت المملكة قد تقدمت بها لتعزيز قدرات الدفاع الوطني اللبناني والتفاف اللبنانيين على اختلافهم حول مؤسساتهم الدستورية والشرعية بما يمنع اللهيب العربي من التأثير على أرض لبنان البالغة السخونة في هذه الأيام لانغماس حزب الله وتماديه في الحرب السورية.مباحثات الطرفين السعودي والفرنسي لم تقف عند حدود تسهيل وصول وانطلاق مفاعيل الهبة السعودية للبنان وحسب بل ستشمل سبل مكافحة الإرهاب المتمادي في كل من سوريا والعراق ودرس آفاق إنشاء تحالف دولي وعربي يعمل وفق رؤية استراتيجية تقوم من جهة على إطلاق العملية السياسية بدلا من لغة المواجهة في هذه البلدان والسعي للقضاء على عناصر ومجاميع الإرهابيين الذين يريدون خطف لحظة الاختلال وفقدان التوازن العربي وتركيب مشهد بعيد كل البعد عن قيم ديننا وعروبتنا وحتى إنسانيتنا. الزيارة لفرنسا رفعت من حجم التبادل التجاري بين البلدين وتدفعه نحو تخطي عتبة الثمانية مليارات دولار إلا أن نتائجها السياسية انعكست على مختلف التحديات الإقليمية والمحلية وهذا ما يجعل منها حدثا قائما بذاته. فصحيح أن الزيارات تكون الختام الإعلامي لإنجازات الحوار والدبلوماسية إلا أن زيارة الأمير سلمان خارجة عن هذه الحدود، إذ إنها أسست لصفحة جديدة وكبيرة من التعاون الذي لن يقف عند حدود الإقليم بل سيتعداه إلى استراتيجية التعاون الدولي والعالمي فضلا عن المحلي والإقليمي، فالمملكة في ظل هذه الفتن المتنقلة تشكل خشبة خلاص حقيقة لما تحمله من قيم الاعتدال والوسطية الحقة ولما تختزنه من عمق انتماء للإسلام الأصيل البعيد عن الغلو والتطرف.
مشاركة :