وساطة دولية تضع حدا للتصعيد بين بغداد وأربيلالأزمة التي تفجّرت بسبب إجراء أكراد العراق استفتاء على استقلالهم وتطوّرت إلى صدام محدود بين القوات الاتحادية والبيشمركة الكردية تسير إلى التوقّف عند الحدّ الذي وصلت إليه، إذ أن خطوة إضافية في الأزمة قد تعني تفجّر صراع مسلّح جديد لا يحتمله البلد ولا تريد أطراف دولية أن يحدث.العرب [نُشر في 2017/10/31، العدد: 10798، ص(3)]كاكا مسعود أراد بـاستقالته تنظيم استفتاء آخر على شعبيته هذه المرة بغداد - تقترب الأزمة التي تفجرت في العراق بسبب إجراء أكراد البلاد استفتاء على الاستقلال من الانفراج في ظل توصّل الحكومة الاتحادية وحكومة كردستان إلى اتفاق شبه نهائي بشأن السيطرة العسكرية على بعض المواقع المحاذية لحدود الإقليم والإشراف على منافذ حدودية. وقرأ متابعون للشأن العراقي في الاتفاق محاولة لإعادة الاعتبار لاستقلال الإقليم الكردي الذي تعرضت هيبته للضرر جرّاء قيام القوات العراقية، مستعينة بالحشد الشعبي، بالسيطرة على المناطق المتنازع عليها وهو ما دفع بحكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى أن تغالي في مطالبها على حساب الإقليم، الأمر الذي قد يؤدي إلى خنقه اقتصاديا ويفضي بالتالي إلى انهياره سياسيا. وعلى مستوى العلاقة بين الجانبين فإن الاتفاق، بحسب المراقبين، سيكون بمثابة خطوة إلى الوراء بالنسبة لحكومة بغداد وخطوة تقريبية معتدلة بالنسبة لحكومة كردستان التي شعرت بالعزلة بعد أن أجرت الاستفتاء الذي لم ينل مباركة من أحد من المعنيين بالشأن العراقي. وحسب هؤلاء فإن بغداد لم تخسر شيئا بسبب الاتفاق ولم يربح الأكراد الكثير عدا أن الاتفاق الذي جرى بإشراف أميركي أعاد إليهم شيئا من الثقة بالنفس. وبحسب مصادر دبلوماسية رفيعة تحدثت لـ”العرب”، فقد “أثمرت اتصالات أجراها سفيرا واشنطن ولندن في بغداد وممثلون عن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش مع المسؤولين في بغداد وأربيل عن اتفاق أولي، يضمن شراكة الطرفين في إدارة عدد من المناطق المتنازع عليها، والإشراف على منافذ حدودية بين العراق وكل من إيران وتركيا وسوريا”. كما قالت مصادر وثيقة الصلة بالحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي يتزعمه مسعود البارزاني لـ”العرب”، إن “الاتفاق مع الحكومة الاتحادية تضمّن حسم ترتيبات الانتشار العسكري في 8 مناطق متنازع عليها بين بغداد وأربيل”. وتشرح المصادر ذاتها أنّ “الاتفاق الذي رعته واشنطن ولندن والتحالف الدولي، يتضمن نشر قوات مشتركة تعيّنها بغداد وأربيل، في المناطق الثماني، التي تمثل مجالا استراتيجيا لإقليم كردستان”. وتضيف أن “هذه المناطق تقع جميعا ضمن الحدود الإدارية لمحافظة نينوى، ومركزها الموصل، لكنّ سكانها موزعون بين الأكراد والعرب وأقليات دينية متنوعة”. والمناطق التي تم الاتفاق على نشر قوات مشتركة فيها هي المحمودية وشيخان وسحيلة والقوش وخازر وفايدة والكوير ومقلوب. وبحسب المصادر، فقد أفضى الاتفاق أيضا إلى “موافقة بغداد على أن تدير السلطات المحلية في كردستان مطارات الإقليم، ومنافذه الحدودية مع تركيا وإيران، بإشراف السلطات الاتحادية، مع بدء مفاوضات بين الجانبين للتوافق على صيغة بشأن العوائد المالية المتأتية من المنافذ”.لم تخسر بغداد شيئا بسبب الاتفاق ولم يربح الأكراد الكثير عدا أن الاتفاق أعاد إليهم شيئا من الثقة بالنفس لكن بغداد أصرت على الاحتفاظ بالحق الحصري في إدارة معبر حدودي صغير بين نينوى وسوريا، على أن يسمح بوجود قوات البيشمركة الكردية في المحيط. ويعتمد إقليم كردستان على معبر فيشخابور، للتواصل مع مناطق سورية يشكل الأكراد غالبية سكانها، وتقع بمحاذاة الشريط الحدودي مع العراق. وقالت المصادر إن “الوسطاء الدوليين عملوا لنحو 48 ساعة مستمرة من أجل التوصّل لهذا الاتفاق، الذي جنّب الطرفين نزاعا مسلحا داميا كان محتمل الحدوث في ظل إصرار كل منهما على انسحاب الآخر من هذه المناطق”. وأضافت المصادر أن “وفودا فنية من بغداد وأربيل ستواصل عقد اجتماعاتها لحسم القضايا الخلافية بين حكومتي المركز والإقليم، وفقا للدستور العراقي”. وبدا واضحا أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي “لديه الاستعداد اللازم للتعامل مع نيجرفان البارزاني، رئيس حكومة الإقليم الكردي، الذي ورث جزءا كبيرا من صلاحيات عمه مسعود، بعد توزيعها بين عدد من السلطات المحلية”، وفقا لتعبير مراقبين. وأعلن مسعود البارزاني الأحد أنه لا يخطط للبقاء في منصب رئيس إقليم كردستان، الذي تنتهي ولايته القانونية فيه مطلع الشهر القادم. وبموجب قانون أقره برلمان كردستان، الأحد، تحولت صلاحيات واسعة من منصب رئيس كردستان إلى مجلس وزراء حكومة الإقليم الذي يرأسه نيجرفان البارزاني. وفي بيان صدر عن مكتب العبادي، إثر تلقيه مكالمة من وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، الأحد، وردت إشارة من المسؤول البريطاني إلى أن “نيجرفان البارزاني أبدى رغبته بالحوار في هذا الشأن”. وفي مؤشر إضافي على قرب انفراج الأزمة، أكد رئيس أركان القوات الايرانية المسلحة، اللواء محمد باقري، الاثنين، أن بلاده ستزيل قريبا القيود التي فرضتها منذ أسابيع على حركة المرور عبر الحدود بين إيران وإقليم كردستان. وإيران طرف رئيس في الأزمة، إذ يعتبر مراقبون أنّها هي من وقفت مع تركيا وراء الخطوات الحازمة والسريعة التي اتخذتها الحكومة العراقية ردّا على استفتاء استقلال كردستان، وذلك مخافة قيام دولة كردية في المنطقة ستنتهي إن عاجلا أم آجلا إلى المطالبة بمناطق الأكراد في الدولتين. وشهدت جلسة برلمان كردستان، التي خصصت لإقرار قانون توزيع صلاحيات رئيس الإقليم، جدلا واحتكاكات بين ممثلي الكتل السياسية الكردية، أعقبتها اعتداءات على صحافيين ومقرات حزبية. وتعرّضت مقار حزبية تابعة لحركة التغيير المعارضة، وأخرى للاتحاد الوطني الكردستاني، في أربيل ودهوك إلى اقتحام وعمليات حرق اتهم فيها أنصار البارزاني الغاضبين من قرار تخليه عن السلطة. وقال بيان لمكتب العبادي الإثنين إنّ “مجلس الوزراء يتابع عن كثب تطورات الأحداث الأخيرة في إقليم كردستان، وحالات الاعتداء على الصحافيين وحرق مقرات أحزاب ومحاولات إحداث فوضى واضطرابات في أربيل ودهوك”. وأضاف أن “ما حصل أمر يضر بمواطنينا في الإقليم وبالوضع العام هناك”. ولا يخفى على المراقبين أنّ الرسالة الأساسية من هذا البيان الحكومي هي التأكيد عن أن بغداد تعتبر جميع مناطق إقليم كردستان راجعة بالنظر إليها، وأنّ حماية سكان تلك المناطق هي من مشمولاتها باعتبارهم مواطنين عراقيين. غير أن هذا الأمر يظلّ رمزيا وصوريا إلى حدّ بعيد، حيث لا وجود فعليا للسلطات المركزية داخل تلك المدن والمناطق، فسلطات بغداد تنتهي حيث توقّفت وحدات القوات الاتحادية.
مشاركة :