الخليج الثقافي اليوم، تنطلق دورة جديدة من معرض الشارقة الدولي للكتاب، دورة تتميز بأرقام لافتة، تؤشر إلى التراكم المعرفي الذي يحققه المعرض عاماً تلو الآخر، حتى باتت الشارقة مدينة لصناعة الكتاب، أو صناعة الثقافة الثقيلة على وجه الدقة بما أهلها لكي تكون عاصمة عالمية للكتاب في عام 2019. فللكتاب هنا حضوره اليومي الذي لا يقتصر على المعرض وحسب، ولكن بإمكاننا أن نلمحه في كل مكان وفي مئات الفعاليات التي تعقد على مدار الساعة، ترصد أحوال النشر، أو تناقش مسألة قضية الملكية الفكرية، أو تتحاور حول قضايا الثقافة المختلفة.تقول أرقام المعرض إن القارئ على موعد مع 1.5 مليون عنوان من 60 دولة، بمعنى أن معارف العالم بأكملها ستكون بين أيدي زائري المعرض. أي ببساطة سيكون العالم بأكمله هنا في إكسبو الشارقة صباح اليوم الأول من نوفمبر من العام السابع عشر من الألفية الثالثة للميلاد، وعلى مدار أحد عشر يوماً.بدأت سردية المعرض في عام 1982، الذي انطلق مرتكزاً على رؤية تهدف إلى الاستثمار في الإنسان بوصفه قلب أي عملية للتنمية الحضارية، رؤية نبتت من حلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وها هو اليوم يجني ثمار بعض ما حصد، يشهد ترجمة حلمه الإنساني ليس في المعرض وحسب ولكن في التفاتنا إلى أهمية القراءة وضرورة أن يتحول الكتاب إلى خبز يومي، يكون في متناول الجميع: الأطفال والطلبة والبسطاء، فالقراءة ليست حكراً على النخبة أو المثقفين وحسب. ومنذ أقل من عقدين تقريباً لاحظنا اهتماماً عربياً غير مسبوق بمسألة القراءة، في تقارير معرفية جماعية، وفي مشروعات تثقيفية في هذا البلد العربي أو ذاك، كان حلم سموه منذ سبعينيات القرن الماضي كأي حلم يسبق واقعه، يسعى إلى ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، يحلل أزمة هذا الواقع المتمثلة في تراجع واضح لمعدلات القراءة، بما يرسخ للفجوة الحضارية بين العرب والآخرين، وبما يدعم الأفكار المتطرفة والمتشددة، وبما يهدد الثقافة العربية، وبما يؤثر بالسلب في الإنسان نفسه. لقد أدرك صاحب السمو حاكم الشارقة مبكراً أن تجاوز كل ذلك لن يأتي إلا بالعمل الدؤوب لدعم الثقافة، وفي القلب منه رعاية الكتاب والتنبيه في كل مناسبة على القراءة أولا والقراءة أخيرا.لقد كان حلم صاحب السمو حاكم الشارقة، أن نتحول إلى أمة قارئة، أمة تستعيد ألقها الحضاري، وموقعها في العالم، وقدرتها على الإسهام في المنجز الإنساني العالمي، أن يتمكن إنسان هذا المكان من ترديد قول محمود درويش «سجل أنا عربي» أمام الجميع من منطلق القوة وعدم الشعور بالنقص المعرفي أو الدونية الثقافية، أو الخوف من تربص آخرين يعملون على تشويه الصورة الحضارية. أن نكون عرباً معناه مئات الدلالات لو وعينا المغزى، معناه أن ننتج علماً وحضارة ومعرفة، معناه أن ندعم الثقافة، معناه أن يكون الإنسان في القلب، معناه أن نقرأ ونقرأ، ولا يمل من يقرأ من التنبيه على أهمية القراءة، حتى لو لم يكن محيطه مشجعاً، هذا هو الدرس الذي نستخلصه من حلم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.ويجب أن يجتهد كل منا في التفكير الخلاّق والمبتكر الذي يصل بهذا الحلم إلى فضاءات أخرى قد تبدو للوهلة الأولى صعبة أو شاقة أو مستحيلة التحقق، ولكنه قدر من يقرأ ومن يهدف إلى التغيير والتقدم، قدر من يعي الدرس وينضم إلى الحالمين بعالم أجمل وغد أفضل.اليوم، تعقد هنا في الشارقة قمة عالمية للكتاب، تؤكد التراكم الذي بدأه المعرض. العالم هنا يشهد أن العرب عازمون على وصل ما انقطع منذ عدة قرون، يقدمون الكتاب إلى الواجهة ويجعلون من القراءة نشاطاً يومياً، ينظمون المعارض، ويدعمون الكتاب في المدارس والجامعات، يؤسسون مدناً للنشر، ويطلقون مسابقات وجوائز للتأليف، ويدعمون الترجمة، وينقلون ثقافة الآخر، ويحتفون به في بلادهم بكل محبة وترحاب. يسعون بكل قوة إلى الانخراط في العصر، يصممون بعزم وإرادة على تجاوز أي فجوة معرفية.العالم هنا اليوم في الشارقة، ورسالتنا إليه تتمثل في إدراك مغزى حضارتنا، فأن نكون عرباً معناه ببساطة أن نقرأ.
مشاركة :