حاوره: محمدو لحبيب أصبح من المعتاد لدى الجمهور الإماراتي والعربي بشكل عام، أن يعلن معرض الشارقة الدولي للكتاب عن الجديد في كل دورة سنوية له، ومنذ بداياته في ثمانينات القرن الماضي، وهو يأتي في كل عام بآفاق جديدة للتطور في مجال القراءة وتوفير الكتاب بكافة أنواعه ودون رقابة، وفي دورته الحالية يتزامن المعرض مع الانطلاقة الرسمية لصرح عملاق آخر هو مدينة الشارقة للنشر، التي ستنضم إلى الصروح الثقافية في الشارقة، لتكمل مهمتها التي اختارتها منذ سنوات في نشر الثقافة.«الخليج» التقت أحمد العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، ومدير المعرض، وحاورته حول كل تلك المستجدات المهمة. بداية هلا حدثتم القارئ عن الجديد بالنسبة لمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته السادسة والثلاثين الحالية؟- معرض الشارقة الدولي للكتاب يأتي في كل سنة بإضافة جديدة، بملامح جديدة، تواكب تغيرات العصر، من خلال ما نوفره من انطلاقة مميزة، من خلال التنوع في المحتوى الفكري، سواء كان من خلال الكتاب المعروض، أو من خلال البرامج المعروضة أو من خلال دور النشر المشاركة، أو حتى من خلال ما يوفر من خدمات مساعدة لزوار المعرض.وحين تنظر للأرقام التي يسجلها المعرض ستجد أرقاماً مميزة، تجد مثلاً 1600 دار نشر مشاركة، وأكثر من 2600 فعالية ثقافية، وأكثر من مليون ونصف من العناوين من 60 دولة، وأكثر من 400 ضيف من ضيوف العالم يأتون إلى المعرض، ليشاركوا في الندوات والبرامج والمحاضرات، سترى تنوعاً فكرياً، وأطيافاً مختلفة للثقافة بكل تجلياتها، سترى الرياضة، والفن والموسيقى والأدب شعراً ونثراً..، كل ذلك يصب في مصلحة زوار هذا المعرض الذين هم المكون الأساسي له، فالمعرض لم يعد معرضاً محلياً وعربياً، بل بات عالمياً، وذلك بالتنوع الثقافي والفكري الذي يجسده ويقدمه للزائر، وقد استطاع المعرض استقطاب الكتاب والأدباء والمثقفين من شتى بقاع العالم، ووفر للقارئ كل أنواع الكتب وبمختلف مشاربها، ككتب القانون والأدب والتاريخ والرواية، بل تجاوز توفير الكتاب الورقي إلى توفير ركن للكتاب الرقمي، إضافة لركن خاص بالكتب المصورة، كل ذلك يبرز أن هذا المعرض جعل من الثقافة ونشرها عنواناً بارزاً له، واستلهم ذلك كله من رؤى ومنهجية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وترجمها من خلال ما يقدمه من برامج فكرية وتنوع ثقافي، ليصبح مصدّراً بارزاً للثقافة العربية.دلالات الشعارهذه السنة لديكم شعار «عالم في كتابي»، ما الدلالات الثقافية لهذا الشعار؟ وكيف تختارون شعار أي دورة للمعرض؟-«عالم في كتابي» هو تعبير مكثف عن أن الكتاب يعد اللبنة الأولى والمصدر الأساسي لكل معرفة في هذا العالم، فمثلاً هذا اللوح الإلكتروني الذي بين يدي، وجهاز التسجيل الذي تسجلون به هذا الحوار، كل ذلك أتى من كتاب ومن خلال قراءة ذلك الكتاب، الأسئلة الصحفية والصحافة بشكل عام لم تأت من فراغ، إنها نتاج كتب ودراسة لتلك الكتب، الاختراعات بشكل عام، السينما، الفن، الموسيقى، العالم كله الذي نراه هو نتاج كتاب، وبالتالي حين تملك كقارئ كتاباً فأنت بين ثناياه وصفحاته تملك العالم كله، تملك العالم باختلافاته بأجناسه، وتسافر فيه عبر صفحات الكتاب، فمثلاً حين تقرأ كتاباً عن مدينة ما في العالم كله ويأخذك الشغف إليها، وبمجرد أن تطأ أقدامك تلك المدينة ستتذكر الكتاب الذي قرأته عنها.بخصوص اختيار الشعار ثمة لجنة مسؤولة عن تسويق المعرض، تختار كثيراً من المفردات التي تتناسب مع المعرض، ومع الهوية البصرية التي ستطلق فيه، وتختار الشعار انطلاقاً من ملاءمته لتلك الهوية البصرية التي يعبر عنها المعرض في كل دورة له.المتأمل لهذه الأرقام والمنجزات التي ذكرتها، سيطرح السؤال: كيف استطعتم خلال هذه الفترة الوجيزة في عمر الشعوب أن تحققوا هذا التطور الكبير في المعرض؟- العمل الثقافي هو تراكم خبرات لسنوات، وهو لا يأتي وليد الصدفة أو وليد اللحظة، فتراكم سنوات من الخبرة الثقافية لدى صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي جعلته قادراً على التأسيس والإشراف على تطوير هذا المعرض في كل سنة نحو الأفضل، فما يطرح في المعرض من أفكار جديدة ومنجزات هو بالأساس وليد فكر وخبرة سموه في الثقافة واهتمامه الكبير بها وبتطورها، فباتت الشارقة اليوم بفضل تلك الاستراتيجيات والجهود التي بذلها سموه مرادفة للثقافة العربية بل والعالمية، وأصبحت عاصمة للثقافة وللكتاب العربيين.والكتاب في سياسات سموه هو لغة الحوار التي ترتقي وتبرز دوماً في الشارقة، وعلى ضوء تلك المنهجية والرؤية الحكيمة تم كل هذا التطور في معرض الشارقة والذي نجني ثماره اليوم.من الجديد والمنجزات الهامة خلال هذه السنة: مدينة الشارقة للنشر، ماهي الآفاق التي ستفتحها هذه المدينة لصناعة الكتاب في الإمارات وفي الوطن العربي؟- مدينة الشارقة للنشر ليست مدينة فقط للوطن العربي، وإنما هي نقطة وصل بينه وبقية أصقاع العالم، وهي أيضاً ستشكل معرضاً آخر للكتاب، ونموذجاً متميزاً في صناعة الكتاب مفتوحاً على مدار العام وطيلة 24 ساعة في اليوم، وستكون بها مراكز للترجمة، وبها مطابع، وبها برامج مميزة تطور صناعة النشر بطريقة إيجابية وعصرية، وتقلل تكلفة صناعة الكتاب في الوطن العربي، من خلال ما سيتم توفيره من منصات مميزة لصناعة الكتاب، وسيتضح ذلك التميز حين نعلن رسمياً عن الشركات التي ستكون موجودة في المدينة، وثمة اهتمام كبير من مختلف الناشرين حول العالم بهذه المدينة، وتم التعبير عن رغبتهم في المشاركة فيها، وستضم المدينة مقراً لاتحاد كتاب وأدباء العرب، وآخر لاتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وجمعية الناشرين الإماراتيين، وملتقى ناشري كتب الأطفال، وغيرها.وستوفر مدينة الشارقة للنشر بانطلاقتها مناخاً مميزاً للنشر وتوزيع الكتاب، من خلال كل الشركات العاملة فيها، وسننافس العالم على مستوى صناعة الكتاب ونشره.إلى أي مدى أسهمت مشاركتكم في معارض دولية كمعرض لندن أو برلين أوغيرها، في دفعكم للوصول إلى أعلى مستويات التنافسية في مجال عرض الكتب وصناعتها؟- نحن استفدنا من مشاركاتنا تلك في اتجاهين أساسيين هما أولاً أننا عرفنا الثقافة العربية وكنا سفراء لها في هذه المحافل الدولية، ومن جهة ثانية استفدنا من الخبرات المختلفة التي وفرها التقاؤنا بالناشرين والكتاب الأجانب، وكذلك استطعنا استقطاب هذه الخبرات إلى الإمارات من خلال مشاركتها في البرنامج المهني المصاحب لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، أو مشاركتها في المعرض نفسه، أو مشاركتها في مؤتمر المكتبات أو مشاركتها في مدينة الشارقة للنشر.اخترتم في هذه الدورة من معرض الشارقة الدولي للكتاب، المملكة المتحدة كضيف شرف في المعرض، ما دلالات هذا الاختيار؟- هذه السنة هي سنة شراكة بين الثقافة الإماراتية والثقافة البريطانية وهذا البرنامج الثقافي المشترك بيننا لا يمكن أن يمر دون أن يكون ختامه مسكاً، لذلك تم تتويج هذه الشراكة باختيار المملكة المتحدة كضيف شرف في المعرض، وسيتم توفير مناخ مميز يجسد ذلك في المعرض، من خلال الكتاب الإنجليز المشاركين في المعرض، والذين يبلغ عددهم 14 كاتباً ومثقفاً، وأيضاً من خلال العدد الكبير من دور النشر الإنجليزية المشاركة سواء في البرنامج المهني أو من خلال منصات المعرض، وسيتم الاحتفاء في هذا الإطار بأقدم نسخة موجودة من القرآن الكريم من خلال عرضها في المعرض، وهي واحدة من المقتنيات النادرة لجامعة برمنجهام البريطانية.شخصية المعرض الثقافية لهذه الدورة هي الدكتور محمد صابر عرب، هل لهذا الاختيار أبعاد ثقافية ورمزية مرتبطة بالكتاب وبصناعته؟- الدكتور صابر عرب لعب دوراً كبيراً كمثقف وأكاديمي، وفي المرحلة الانتقالية التي مرت بها مصر، لعب أيضاً دوراً كبيراً في المحافظة على الثقافة هناك من الفكر الظلامي، ونحن نكن له كل التقدير والاحترام، وهو مؤرخ عمل في صناعة الكتاب وحافظ على الكتاب، هذه الشخصية لها ثقل ومكانة فكرية في مجال صناعة الكتاب في العالم وخاصة في مجال الفكر المستنير.الورقي والإلكترونيذكرتم في معرض حديثكم عن الجديد في معرض هذه السنة، أنكم ستخصصون ركناً للكتاب الرقمي، هل تتفقون مع الفرضية التي تقول إن الكتاب الرقمي بات يهدد عرش الكتاب الورقي وزمنه؟- لا أظن أن انتشار الكتاب الرقمي هو انتشار بهذا المستوى الذي يروج له، وعلى كل نحن في هيئة الشارقة للكتاب ندعم كل أنواع الكتب بما فيها الكتاب الرقمي والكتاب المصور إضافة لدعمنا للكتاب الورقي طبعاً، أنا شخصياً أفضل الكتاب الورقي على الكتاب الرقمي، لكن هذه وجهة نظري الخاصة، أما نحن كهيئة الشارقة للكتاب فندعم كل أنواع القراءة وكل أنواع الكتب.يعرف عن معرض الشارقة الدولي للكتاب أنه معرض بلا رقابة على الكتب، ألا تخشون أن تتسرب إلى القارئ من خلال هذه الحرية، بعض الكتب التي تروج لأفكار هدامة؟- نحن ننفتح على كل الكتب انطلاقاً من مقولة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي: «نحن نحارب الفكر الظلامي بالفكر المستنير»، وحين نعلن نحن عن منع الكتاب «ا» سيتوافد الناس ليشتروا ذلك الذي منع، وسيريد الجميع قراءة ذلك الممنوع لأن كل ممنوع مرغوب، وبالتالي نحن لا نريد أن نروج للفكر الظلامي من خلال منعه وإعطائه زخماً لا يستحقه، بل نفضل أن نحارب الفكر الظلامي بالفكر المستنير، ونعطي مساحة للعقل، للثقافة، للفكر، وكما ترون هنا في الإمارات طفرة ثقافية بعد عام القراءة، وهذه الطفرة تجد لها صدى مميزاً من خلال توفر الكتاب بمختلف عناوينه في معرض الشارقة للكتاب، والمعرض يعكس شفافية دولة الإمارات، ورؤية الدولة للعالم ككل، وانفتاحها على الآخر، الكثيرون الآن يدعون أنهم منفتحون لكن تجد أغلب الكتب تمنع لديهم، نحن لا نمنع الكتاب، لأننا نحارب الفكر بالفكر فقط لا بالمنع، والإنسان سيحكم بنفسه ليختار الفكر المستنير لا الفاشي، وما ينفع الناس يمكث في الأرض.على ذكر الفكر الفاشي الظلامي، في رأيكم ما المطلوب من الثقافة العربية الآن كي تنجح في دحر الإرهاب وأفكاره؟- لو تنظر إلى التاريخ، ستجد أنه فعلاً ماض لكنه في نفس الوقت مرآة جلية للحاضر، ولن تجد في التاريخ فكراً فاشياً منذ خلق الله البسيطة حتى اليوم إلا وبدأ بحرق الكتاب، فالكتاب والثقافة هما العدو اللدود للفكر الفاشي، عندما تنظر لمن يتبعون الأفكار الفاشية قد تجدهم متعلمين لكنهم غير مثقفين، فالثقافة في مفهومها لا تتسق معهم.انطلاقاً من الرؤية التي عبرتم عنها في مواجهة الفكر بالفكر، هل هناك معايير خاصة تفرضونها على دور النشر فيما يتعلق باختيار الكتب المعروضة في معرض الشارقة الدولي للكتاب؟- نحن لا نختار الكتب، نحن نحارب فقط المعتدين على حقوق الملكية الفكرية، لا نتواصل معهم ولا نتعاون معهم، وفيما عدا ذلك المعرض مفتوح وفق ضوابط تحدد قبول دور النشر بأن يكون لأي دار نشر تريد المشاركة 50 إصداراً للكتب كحد أدنى، ولكننا من جهة أخرى ندقق في تلك الإصدارات ليس من جهة الرقابة على محتواها الفكري، بل أن تكون فعلاً كتباً، لا مجرد أغلفة فاخرة لا تحوي أي شيء يمكن أن يطلق عليه اسم الكتاب، وتستخدم أنواعاً من الورق رديئة لا ترقى لمعايير الجودة المتعارف عليها، وبأسعار مبالغ فيها وغير متسقة مع قيمة الكتاب أصلاً.هناك فعاليات متزامنة مع افتتاح المعرض وممهدة له مثل البرنامج المهني، وبرنامج المتخصصين هل من تفصيلات تقدمونها لنا بخصوص ذلك؟- ثمة مفارقة رقمية أو مفاجأة رقمية تتعلق بالبرنامج المهني، نحن أعلنا أصلاً عن العدد الذي سنستقبله وكان 330 ناشراً، والآن فوجئنا بأن العدد الذي استقبلناه وصل إلى 370، واضطررنا لتوقيف المشاركة فيه عند هذا الحد، لأن عدد الاجتماعات سيتعدى المساحة المتوفرة للناشرين خلال اليومين اللذين يسبقان معرض الشارقة الدولي للكتاب، ويوفر البرنامج المهني مساحة من التبادل الثقافي وبيع الكتاب وحقوق الكتاب في مختلف أنحاء العالم، وأيضاً الترويج للكتاب العربي في مختلف أنحاء العالم، من خلال منحة صندوق الشارقة للترجمة.وبالنسبة لبرنامج المتخصصين سيشهد حضور رئيس اتحاد الناشرين العالمي وهو ما يعكس أهميته بالنسبة للناشرين.هل من كلمة أخيرة تودون توجيهها للجمهور؟-أتوجه من خلال منصتكم الكريمة، هذه الجريدة الغراء التي نكن لها كل حب وتقدير، والتي هي من رعاة معرض الشارقة الدولي للكتاب، إلى المثقفين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم، من يقرأون لكم عبر الجريدة الورقية أو نسختها الإلكترونية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن يأتوا إلى معرض الشارقة الدولي للكتاب، وأن يستثمروا هذه الفرص المتاحة هنا والتي توفر كل ما يخدم صناعة الكتاب وصناعة الإنسان بشكل عام.
مشاركة :