قبل عام من الآن، تسببت هجمات سيبرانية متزامنة في تعطيل أجزاء كبيرة من شبكة الإنترنت داخل الولايات المتحدة وأوروبا؛ إذ تسبب برنامج «ميراي بوت – نت» الخبيث في تحويل أجهزتنا المتصلة بالإنترنت ضدنا، فلقد تمت السيطرة على الملايين من كاميرات «الويب»، وأجهزة تشغيل الفيديو، وشاشات مراقبة الأطفال، وخدمات «تل – نت» لخدمات الدخول على الحواسيب البعيدة، وأعيد استخدامها في إيقاف خدمات «تويتر»، وكبرى المنافذ الإخبارية والبنية التحتية التجارية، وتم قطع الوصول إلى شبكة الإنترنت، وتوقفت الأنظمة الإلكترونية عن العمل تماماً، ولم نكن نستطيع مجرد الحصول على الأخبار بشأن ما كان يحدث وقتها.لم يكن فريق من المتسللين المحترفين وراء الهجوم، لكنه فرد غاضب للغاية، أو كما أفادت التقارير الإخبارية بأنه رجل يحمل ضغينة مبيتة ضد شبكة «بلاي – ستيشن». والواقع يشير إلى أن شخصاً ما يملك الحد الأدنى من المعرفة التقنية بإمكانه إنشاء منصة مثل «ميراي بوت – نت» الخبيثة في 15 دقيقة فقط.وقد يفكر المرء أن أعضاء الكونغرس الأميركي قد يفزعون من نومهم ليلاً عند التفكير في أن يكون الهدف القادم لفيروس خبيث، الجيش الأميركي أو ربما المؤسسات المالية الكبرى. ومع ذلك، لم يتم إطلاق أي مبادرات فيدرالية في أعقاب هجمات «ميراي بوت – نت» الخبيثة. بدلاً عن ذلك، تُركت مسؤولية تأمين البنية التحتية الحيوية في أيدي الشركات الخاصة لكي تتولى أمرها.ولقد ظهرت النائبة مارشا بلاكبيرن من ولاية تينيسي على شاشات شبكة تلفزيون «سي إن إن» للتعليق على هجمات «ميراي بوت – نت» الخبيثة. لكن بدلاً من الإعلان عن الخطط الحكومية الرامية إلى تنفيذ عمليات استعادة للسيطرة على الأجهزة المستولى عليها، ألقت السيدة بلاكبيرن باللوم في الهجمات على قرصنة البرمجيات، وهو موضوع لا علاقة له على الإطلاق بالهجمات المذكورة. (ويبدو الأمر مثل مشاهدة بيتك وهو يحترق، وفجأة تعلن أن الوقت قد حان لشراء سيارة جديدة للعائلة!).قد يكون القصور في الفهم أقل إثارة للقلق إن كانت السيدة بلاكبيرن واحدة من 435 صوتاً داخل الكونغرس. لكنها تعمل في اللجنة الفرعية للاتصالات والتكنولوجيا في مجلس النواب، حيث تحدد أصوات 15 عضواً فقط مصير أغلب التشريعات ذات الصلة بالتكنولوجيا في الولايات المتحدة، بما في ذلك الأمن السيبراني، والاتصالات، والخصوصية. ولقد كانت تستغل مقابلتها الإخبارية على شاشات التلفاز في الحديث عن التشريعات التي يمكن أن تسمح لوكالات إنفاذ القانون الأميركية بإغلاق مواقع الإنترنت بناءً على مزاعم تتعلق بحقوق التأليف والنشر؛ الأمر الذي يُنظر إليه وعلى نطاق واسع باعتباره هدية لمصالح كبريات الشركات، وهو أمر منطقي بالنظر إلى أن اثنين من كبار المتبرعين لحملة السيدة بلاكبيرن الانتخابية هما من أصحاب المصالح في عالم الاتصالات ونقصد شركة «إيه تي أند تي» وشركة «فيريزون». عندما تكون الأصوات النافذة التي تصوغ الرؤية العامة بشأن الخصوصية والأمن السيبراني، هي شركات المصالح التجارية الكبيرة التي تجني الأموال الهائلة من حالة الوضع الراهن، فسوف يخسر الشعب الأميركي بأكثر مما يكسب.وعندما يتعلق الأمر بالأمن السيبراني، فإن الشعب الأميركي لا يزال في وضع يتهدده خطر بالغ، ويبدو أن ممثلي الشعب في الكونغرس غير مستعدين بدرجة كافية للقيام بأي شيء في هذا الصدد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، تم الكشف عن أن شركة «إكويفاكس» تجاهلت التحذيرات بشأن الهشاشة الأمنية في أنظمتها، وتعرضت للقرصنة من واقعة تعتبر بسيطة نسبياً. وعليه، يمكن أن نتوقع أن نعاني لسنوات من سرقات الهوية والاحتيال الائتماني بسبب أسوأ حالة سرقة للمعلومات الخاصة في التاريخ.كما تعرضت شركة «بايو – تك» العملاقة للتكنولوجيا الحيوية إلى هجوم إلكتروني لطلب الفدية في يونيو (حزيران) الماضي، وقد أسفر عن تعطل خط الإنتاج في الشركة. والآن فقط بدأنا ندرك نطاق المحاولات الروسية للتأثير على انتخابات عام 2016 الرئاسية، وعرفنا أنها اشتملت على محاولات لاختراق مكاتب الانتخابات المحلية. وفي الأسبوع الماضي فقط، أعلنت اللجنة الأميركية للأوراق المالية والبورصات أنها تعرضت للاختراق الإلكتروني العام الماضي، وأن المعلومات المسروقة قد استخدمت في تداولات داخل بورصة «وول ستريت».وعلى الرغم من أن ولايات مثل ماساتشوسيتس تقاضي شركة «إكويفاكس» بتهمة الإهمال، وبدأ الرئيس ترمب في نقل بعض من الأنظمة الحكومية إلى الخدمات السحابية، فإنه ليست هناك خطة وطنية موثوق بها لتأمين البنية التحتية الإلكترونية الأميركية. في الواقع، تتجاوز الأمور نطاق الأمن السيبراني، ففي عامي 2014 و2015، كنت أنا شخصياً أحد أبرز الشخصيات المستهدفة من حملة التحرش على الإنترنت والمعروفة باسم «غامر – غيت»، التي تعرضت السيدات العاملات في صناعة الألعاب في إطارها لتهديدات بالقتل، والاغتصاب، والكشف عن البيانات الشخصية في محاولات لتشويه السمعة المهنية. ولقد اكتشفنا أن وكالات إنفاذ القانون غير مستعدة على الإطلاق لمتابعة محاكمة أصحاب الجرائم التي تحدث عبر الإنترنت.والإجابات على كل هذه المشكلات متاحة بالفعل، غير أن المسؤولين الفيدراليين غير قادرين على تنفيذها. وعلى العكس من الكثير من القضايا الأخرى التي تواجه طريقاً مسدوداً داخل الكونغرس، فإن محور الصراع في التكنولوجيا لا علاقة له بالنزاع بين تياري اليمين واليسار، بل إنه يتعلق بما هو مدروس في مقابل غير المدروس. ومن أبلغ الأمثلة على ذلك هي جهود الكونغرس في تجريم التشفير القوي في أعقاب هجمات سان برناردينو المريعة بولاية كاليفورنيا. وبعد الهجوم الإرهابي على إحدى فعاليات التدريب الحكومية، حاول مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الدخول على الهاتف الذكي لمرتكب الجريمة. ورفضت شركة «آبل» الأمر، ورفع المكتب الأمر برمته إلى المحكمة لمقاضاة الشركة الكبيرة لإجبارها على إضافة باب خلفي يمكّن أجهزة الأمن من الدخول إلى محتويات الهواتف الذكية من البريد الإلكتروني والرسائل النصية، وغير ذلك من البيانات.وفي خطوة أثبتت أن الأفكار التكنولوجية الرديئة ليست حكراً على حزب سياسي بعينه، حذر الرئيس السابق باراك أوباما في خطابه أمام قمة الإنترنت العام الماضي، أنه إن لم تفتح الشركات الكبيرة السبيل أمام الوكالات الحكومية للوصول إلى البيانات المشفرة، فسوف يجبرهم الكونغرس على ذلك. وقد أثار المقترح فزع صناعة التكنولوجيا برمتها آنذاك. فهل يعني ذلك أن التقنيين غير مبالين بقضايا الإرهاب؟ كلا، بل يرجع الأمر إلى أن أصحاب الفهم العميق بأمور التشفير يدركون جيداً أنه ليس هناك ما يمكن وصفه بأنه «باب خلفي» لا يمكن استخدامه إلا من جانب الحكومة فقط. وبعيداً عن قضية حماية الحريات المدنية، كان الأمر مجرد فهم سليم لواقع التشفير.* مرشحة ديمقراطية للكونغرس في الدائرة الثامنة - ماساتشوسيتس ومهندسة برمجيات* خدمة «واشنطن بوست»
مشاركة :