مئوية بلفور ـ تراجع القضية الفلسطينية في الأجندة العربية

  • 11/2/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أسس وعد بلفور الذي صدر قبل قرن، لصراع معقد في الشرق الأوسط استعصى على الحل، بين الإسرائيليين الذين يحتفلون به لأنه مكنهم من تأسيس وطنهم القومي، وبين الفلسطينيين الذين يرون فيه شؤما يعانون من تداعياته حتى اليوم. "وعد" فريد صدر قبل مائة عام، كُتب على شكل رسالة قصيرة لا تتعدى سبع وستين كلمة. حدث ذلك بالضبط، في الثاني من نوفمبر / تشرين الثاني 1917. الرسالة كتبها وزير الخارجية البريطانية آنذاك آرثر بلفور إلى اللورد روتشيلد ممثل اليهود في بريطانيا. وباتت الرسالة تعرف منذ ذلك الحين بتصريح أو بوعد بلفور. وعد يعتبره الكثير من المؤرخين الشرارة التي أسست للنزاع الاسرائيلي الفلسطيني في الشرق الأوسط. رسالة وعدت فيها الحكومة البريطانية اليهود بتسليمهم أرض فلسطين ليقيموا فيه وطنا لهم وهو ما انتهى بقيام دولة إسرائيل. وإذا كان اليهود يحتفلون كل عام بهذه الذكرى ويتفاءلون بها، فإن الفلسطينيين يعتبرونها ذكرى أليمة و"وعدا مشؤوما" بل وخيانة كبرى من قبل بريطانيا القوة الاستعمارية السابقة. وإذا كان زعماء بريطانيون وإسرائيليون سيحيون الذكرى المئوية لوعد بلفور فإن الرئيس الفلسطيني محمود عباس طالب لندن بالاعتراف بخطأ إصدار ذلك الوعد. ويعاني الفلسطينيون من تراجع قضيتهم في الأجندة الدولية والعربية بشكل خاص. فهناك دول عربية كثيرة باتت تربطها علاقات رسمية أو غير رسمية مع الدولة العبرية، وهو ما كان يعتبر في الماضي خيانة للقضية الفلسطينية. انهيار محور الممانعة "جبهة الصمود والتصدي" ويرى كثيرون أنّ من أبرز تداعيات "الربيع العربي" انهيار ما عرف بـ"جبهة الصمود والتصدي" التي كانت تضم ليبيا، سوريا، العراق، والجزائر إضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. وهي جبهة أُسست عام 1977 لمواجهة إسرائيل في المنطقة، وذلك بناء على دعوة من العقيد الليبي معمر القذافي، في أعقاب إعلان الرئيس المصري محمد أنور السادات استعداده للتوجه إلى إسرائيل.هذا الرأي تضعه تحت المساءلة حقيقة أنّ تلك الجبهة بدأت تتآكل منذ غزا صدام حسين دولة الكويت في 2 آب 1990، وما جرى بعدها من تشظي الموقف العربي. انهيار هذه الجبهة أدى عمليا إلى تراجع القضية الفلسطينية في الأجندة العربية. وبات الحد الأقصى الذي تطالب به الدول العربية هو حل الدولتين في إطار مفاوضات سلمية تحفظ الحقوق التاريخية والقانونية للفلسطينيين. بل حتى حركة حماس كما يبدو قد تراجعت عن خطها المتشدد ولم تعد تستبعد القبول بحدود عام 1967 لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية. وهو ما تطالب به منظمة التحرير الفلسطينية منذ معاهدة أوسلو. كما أن الضغط يزداد على حركة حماس كي تعترف بإسرائيل وحل جناحها العسكري كشرط لقبولها كشريك من قبل المجتمع الدولي الذي لا يزال يعتبرها منظمة إرهابية. عقود من المفاوضات بدون جدوى من العداوة إلى الشراكة.. مع إسرائيل حتى في أحلك فترات الصراع العربي الإسرائيلي كانت هناك اتصالات بين الدولة العبرية وعدد من الأنظمة العربية الحليفة للغرب والتي كانت توصف بـ"المعتدلة". غير أن تلك الاتصالات كانت سرية وفي طي الكتمان. غير أن الوضع تغير اليوم وباتت تلك الاتصالات شبه علنية وتتجاوز الدول التي تقيم علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل كمصر والأردن. وبات محللون ومسؤولون اسرائيليون يتحدثون عن تنسيق وتقدم في العلاقات بين دول عربية واسرائيل، ويتوقعون ان يظهر بعضها، لا سيما مع دول الخليج، بشكل مطرد الى العلن، على قاعدة ان ما يجمع الطرفين هو العداء المشترك لإيران.  وأعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في السادس من أيلول/ سبتمبر 2017 ان هناك تعاونا على مختلف المستويات مع دول عربية لا توجد بينها وبين اسرائيل اتفاقات سلام، موضحا ان هذه الاتصالات تجري بصورة غير معلنة، وهي أوسع نطاقا من تلك التي جرت في اي حقبة سابقة من تاريخ اسرائيل. وهذا يظهر أن القضية الفلسطينية لم تعد المحدد الذي يرسم السياسة الخارجية لعدد من الدول العربية. غير أن العواصم العربية المعنية لا تعلق رسميا على هذه التسريبات نظرا لحساسية الموضوع لدى أوساط واسعة من الرأي العام في هذه الدول. تآكل "حل الدولتين"  وفي وقت تلتقي فيه رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي برئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو للاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور لا يزال حلم الفلسطينيين بإقامة دولتهم المستقلة بعبد المنال، رغم عقود من المفاوضات حيث يمتلكهم إحساس بظلم  تاريخي متواصل. ويُبعد تنامي النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية يوما بعد يوم آفاق حل الدولتين خصوصا أمام سياسة الحكومة اليمينية المتشددة التي يقودها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وقد انهارت المفاوضات مع إسرائيل في 2014 بسبب معضلة الاستيطان. ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بـ"تهويد" شامل للضفة الغربية والقدس بشكل أصبح معه من المستحيل تنفيذ حل الدولتين. ورغم أن المجتمع الدولي لا يزال يتمسك رسميا بهذا الحل فإن الوقائع على الأرض تتحدث لغة أخرى. ففي محاولة لتحقيق توازن دبلوماسي أشاد وزير الخارجية البريطانية بوريس جونسون بوعد بلفور الذي ساهم في قيام "أمة عظيمة" على حد تعبيره، لكنه استطرد أن "التحذير الحيوي في وعد بلفور، وهدفه حماية الطوائف الأخرى، لم يتحقق بشكل كامل" في إشارة إلى فقرة في الوثيقة قالت إن إقامة دولة لليهود لا ينبغي أن يأتي بشيء ينتقص من الحقوق المدنية أو الدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في مناطق الانتداب البريطاني السابقة في فلسطين.

مشاركة :