رغم أن الفاروق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من المبشّرين بالجنة، ومشهود له بالإيمان والتقوى، وبذل الكثير من الجهد في سبيل إقامة حكم الله والعدل والزهد والجهاد وغير ذلك من الأعمال الصالحة، غير أنه ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته وفي سكرات الموت يخاف من عذاب الله - سبحانه وتعالى - وكان يردد: «ويلي إن لم يغفر الله لي»، وفي ذلك الكثير من العبر والعظات البليغة، فهذا الفاروق عمر، ثاني الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين باللجنة يخاف عذاب الله، وهو في النزع الأخير يريد أن يعلمنا درساً بليغاً بضرورة أن يكون المؤمن في تذكر دائم لعذاب الله الشديد وأهوال يوم القيامة.«ضع خدي بالأرض»ويشير أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا في كتاب «المحتضرون»، إلى أن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - شهد الساعات واللحظات الأخيرة في حياة الفاروق عمر - رضي الله عنه - فقال: «أنا آخركم عهداً بعمر، دخلت عليه، ورأسه في حجر ابنه عبد الله بن عمر فقال له: ضع خدي بالأرض، قال: فهل فخذي والأرض إلا سواء؟ قال ضع خدي بالأرض لا أم لك، في الثانية أو في الثالثة، ثم شبك بين رجليه، فسمعته يقول: ويلي، وويل أمي إن لم يغفر الله لي حتى فاضت روحه». وكان إصراره على أن يضع ابنه خده على الأرض من باب إذلال النفس في سبيل تعظيم الله عز وجل، ليكون ذلك أقرب لاستجابة دعائه، وهذه صورة تبين لنا قوة حضور قلبه مع الله سبحانه وتعالى.ويقول الدكتور سيد بن حسين العفاني في كتابه «أحوال الطيبين الصالحين عند الموت»: عن عمرو بن میمون قال: «لما طعن عمر قال: یا ابن عباس انظر من قتلني. فجال ساعة، ثم جاء فقال: غلام المغيرة. فقال: الصنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً، الحمد الله الذي لم یجعل میتتی بید رجل يدّعي الإسلام، فدخلوا عليه وفيهم رجل شاب، فإذا إزاره يمس الأرض فقال: يا ابن أخي ارفع ثوبك، فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك. يا عبد الله بن عمر انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام -ولا تقل أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميراً- وقل: يستأذن عمر أن يُدفن مع صاحبيه. فمضى، وجاء، فقال: أذنت. فقال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إليّ من ذلك. فإذا أنا قبضت فاحملوني، ثم سلم، وقل: يستأذن عمر فإن أذنت لي فأدخلوني وإن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين» رواه البخاري.شهادة ابن عباسوعن ابن عباس قال: لما طعن عمر قلت له: أبشر بالجنة. فقال: والله لو كان لي الدنيا وما فيها لافتديت به من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر. وفي رواية: «لما طعن عمر رضي الله عنه جاء ابن عباس فقال: يا أمير المؤمنين! أسلمت حين كفر الناس، وجاهدت مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حين خذله الناس، وقتلت شهيداً ولم يختلف عليك اثنان، وتوفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو عنك راض، فقال له: أعد علي مقالتك، فأعاد عليه فقال: المغرور من غررتموه، والله لو أن لي ما طلعت عليه الشمس أو غربت لافتديت به من هول المطلع».وذكر ابن الجوزي في كتاب مناقب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، أن ابن عباس قال: «يا أمير المؤمنين، والله إن كان إسلامك لنصراً، وإن كانت إمارتك لفتحاً، والله لقد ملأت الأرض عدلاً، ما من اثنين يختصمان إليك، إلا انتهيا إلى قولك». فقال عمر - رحمه الله-: أجلسوني، فلما جلس قال لابن عباس: أعد علي كلامك، فلما أعاد عليه قال: أتشهد لي بهذا عند الله عز وجل يوم القيامة؟ فقال ابن عباس: نعم، ففرح عمر بذلك وأعجبه. «الصلاة يا أمير المؤمنين»وعن المسور بن مخرمة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما طعن، جعل یغمى علیه، فقیل: إنكم لن تفزعوه بشيء مثل الصلاة، إن كانت به حياة، فقالوا: الصلاة يا أمير المؤمنين، الصلاة قد صلّيت، فانتبه، فقال: الصلاة ها الله إذاً، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وجرحه ينبعث دماً.وعن جعفر بن محمل، عن أبيه رضي الله عنه قال: «لما طعن عمر رضوان الله عليه، اجتمع إليه البدريون، المهاجرون والأنصار، فقال لابن عباس: اخرج إليهم فسلهم: عن ملأ منكم ومشورة كان هذا الذي أصابني؟ قال: فخرج ابن عباس، فسألهم فقال القوم: لا والله ولوددنا أن الله زاد في عمره من أعمارنا».«وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء يسرن معها، فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة واستأذن الرجال، فولجت داخلاً لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فلما قبض خرجنا به فانطلقنا به، فسلم عبد الله بن عمر وقال يستأذن عمر قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه». وقال سعد بن أبي وقاص: «طعن عمر يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، وطعنه أبو لؤلؤة المجوسي، ودفن يوم الأحد صبيحة هلال المحرم»، وقال معاوية: كان عمر ابن ثلاث وستين. وعن سالم بن عبد الله أن عمر قبض وهو ابن خمس وستين، وقال ابن عباس: كان عمر ابن ست وستين، وقال قتادة: ابن إحدى وستين، وصلى عليه صهيب، وقال سليمان بن يسار: ناحت الجن على عمر، رضي الله عنه. وعن جعفر بن محمد عن أبيه قال: لما غسل عمر وكفن وحمل على سريره وقف عليه علي، رضي الله عنه، فقال: والله ما على الأرض رجل أحب إلى أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجّى بالثوب.
مشاركة :