د. عادل أحمد الرويني قال تعالى: يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزلنا مصدقاً لما معكم من قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً (النساء: 47) إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا (النساء: 48) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (النساء: 49) انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا (النساء: 50) } السؤال: ما سر إثبات حرف الجر في قوله تعالى: (من قبل أن نطمس وجوهاً) ؟ الجواب: لفتح باب الأمل بعدم وقوع الوعيد أمام المخاطبين بالإشارة بحرف الجر إلى أنه متى وقع منهم إيمان في زمن مما قبل الطمس أَخَّرَه عنهم. والله أعلم } السؤال: توعد الله تعالى اليهود بالطمس إن لم يؤمنوا ولم يؤمن إلا قليل منهم، فلماذا لم يفعل بهم ذلك؟ الجواب: قيل: هذا الوعيد باق، ويكون طمس ومسخ اليهود قبل قيام الساعة. وقيل: كان هذا وعيداً بشرط فلما أسلم بعضهم كعبد الله بن سلام وأصحابه دفع ذلك عن الباقين. وقيل: أراد به في القيامة. والله أعلم بمراده. عقابان مرعبان } السؤال: ما نوع الفاء في قوله تعالى: فنردها على أعقابها؟ الجواب: الفاء للتسبيب، والمعنى فنجعل تلك الوجوه على هيئة أدبارها وهي الأقفاء مطموسة مثلها، فإن ما خلف الوجه لا تصوير فيه. ويمكن تأويل الفاء على التعقيب، حيث إن اليهود توعدوا بعقابين أحدهما عقيب الآخر، وهما رد الوجوه على أدبارها بعد طمسها، والمعنى: أن نطمس وجوهاً فننكس الوجوه إلى خلف والأقفاء إلى قدام، هذا بتأويل الطمس على معناه الحقيقي والله أعلم بمراده } السؤال: ما الغرض من التشبيه في قوله تعالى: أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت؟ الجواب: المراد من التشبيه بلعن أصحاب السبت الإغراق في الوصف باللعن، واللعن هنا الخزي بالمسخ وجعلهم قردة وخنازير. وأصل اللعن الطرد والإبعاد وهو عقوبة وخزي وجاء قوله تعالى: أو نلعنهم معطوفاً على قوله: أن نطمس وقال الحسن: نمسخهم كما مسخنا أصحاب السبت. وهم أصحاب أيلة الذين اعتدوا في السبت بالصيد، وكانت لعنتهم أن مُسِخوا خنازير وقردة مصداقاً لقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين (البقرة: 65) } السؤال: ما سر تخصيص اليهود بالعقوبتين المذكورتين في الآية الكريمة وهما طمس الوجوه واللعن بمسخهم قردة وخنازير؟ الجواب: لعل السر في تخصيصهم بذلك هو جنايتهم التي هي التحريف والتغيير. والله أعلم بمراده } السؤال: ما الغرض البلاغي للالتفات من المتكلم إلى الغائب في قوله تعالى: أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً النساء 47 حيث كان الظاهر أن يقال: وكان أمرنا مفعولاً، فوضع لفظ الجلالة موضع الضمير؟ الجواب: لتربية المهابة، وتعليل الحكم وتقوية استقلال جملة التذييل وكان أمر الله مفعولاً الواقعة اعتراضاً. والله أعلم. أعلى مراتب القبح } السؤال: ما سر التعبير عن الشرك باسم الإشارة للبعيد (ذلك)؟ الجواب: للإشارة إلى بعد درجة الشرك في القبح والشناعة وكونه في أعلى مراتب القبح وأكملها، فالله سبحانه يغفر ما دونه في القبح والبشاعة من المعاصي تفضلاً منه سبحانه من غير توبة لمن يشاء أن يغفر له من عباده. فالكفر يمتاز عن غيره من الكبائر ببيان استحالة مغفرته من غير توبة وجواز مغفرتها. والله أعلم } السؤال: ما علة العدول عن الإضمار إلى الإظهار في قوله تعالى: ومن يشرك بالله..، حيث كان الظاهر أن يقال: ومن يشرك به؟ الجواب: العلة في العدول عن الإضمار إلى إظهار الاسم الجليل زيادة المهابة وتقبيح الإشراك، وتفظيع حال من يتصف به، أي: ومن يشرك بالله الجامع لجميع صفات الكمال أي شرك فقد افترى إثماً عظيماً أي ارتكب ما تستحقر أمامه الآثام فلا تتعلق به المغفرة قطعاً. والله أعلم. السؤال: ما موقع جملة ومن يشرك بالله بالنسبة لما قبلها؟ وما دلالتها؟ الجواب: الجملة استئنافية؛ لبيان عدم غفران الإشراك. والله أعلم تحريف وافتراء } السؤال: قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيماً (النساء: 48) قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (النساء: 116) ما سر تعقيب الآية الأولى بقوله تعالى: فقد افترى إثماً عظيماً وتعقيب الثانية بقوله سبحانه: فقد ضل ضلالاً بعيداً؟ الجواب: لأن السياق السابق على الآية الأولى في ذكر أهل الكتاب وتحريفهم وافترائهم كما ورد في قوله: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَا وقوله: مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (النساء: 44،46)، ثم أتبع ما ذكر بقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به وهذا ناسب ما تقدم من أوصاف الشرك والافتراء الذي هو أخص صفات مَنْ كَذَّبَ من أهل الكتاب، ولأن المشرك مُفْتَر فكان من الملائم ختام الآية الأولى بقوله تعالى: ومن يشرك بالله فقد افترى إثماً عظيماً. أما سياق الآية الثانية فكان عما يخص المنافقين في قوله تعالى: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيماً وَلاَ تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيماً (النساء: 105، 107)، فلم يقع في هذا السياق ذكر الافتراء ولا التحريف، فكان من الملائم ختم الآية بقوله: ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً والله أعلم بمراده. عدل الله المطلق } السؤال: ما سر التعبير بالاسم الجامد (فتيلاً) بدلاً من المصدر (ظلماً) في قوله تعالى: ولا يظلمون فتيلاً (النساء: 49)؟ الجواب: قد يراد بالفتيل هنا معناه الحقيقي وهو مقدار فتيل، والفتيل الخيط الذي في شق النواة فيكون مفعولاً به، وقد يكون المقصود: ولا يظلمون ظلماً مقدار فتيل، أي ظلماً قليلاً، فيكون المراد بالفتيل المصدر، فيكون مفعولاً مطلقاً، وهذا توسع في المعنى، فقد كسبنا معنيي المفعولية والمصدرية في آن واحد، فالظلم ههنا منفي من جهتين: المصدرية والمادية، وفي لفظ الفتيل تأكيد على عدل الله المطلق، والله أعلم. إضاءة: نزل قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم في أهل الكتاب حين قالوا: نحن أبناء الله وأحباؤه وفي قولهم: لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى (البقرة: 111) وهذه دعوى واهية لا برهان عليها، ولهذا رد القرآن عليهم هنا: بل الله يزكي من يشاء. } السؤال: ما دلالة الاستفهام في قوله تعالى ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم؟ (النساء: 49) الجواب: الاستفهام للتقرير بوقوع الرؤية، والتعجيب من حال أهل الكتاب من الكفر والضلال والله أعلم. } السؤال: ما دلالة التعبير بالمضارع في قوله تعالى: يزكون أنفسهم؟ الجواب: يدل على استمرار تزكيتهم لأنفسهم وتعاليهم على غيرهم طوال الوقت من دون انقطاع. والله أعلم يزكون أنفسهم!! } السؤال: ما فائدة ذكر (بل) في قوله تعالى: (بل الله يزكي من يشاء)؟ الجواب: (بل) في الآية تبطل تزكية أهل الكتاب أنفسهم على ما هم عليه من العناد والافتراء، فالتزكية شهادة من الله تعالى لعباده، وليست من العبد لنفسه وأن هؤلاء لا حظ لهم في تزكية الله تعالى. والجملة عطف على كلام مقدر يدل عليه السياق تقديره: هم لا يزكونها بل الله يزكي من يشاء تزكيته من عباده المؤمنين. وفي تصدير الجواب ب (بل) تصريح بإبطال تزكيتهم لأنفسهم، ولو قيل: الله يزكي من يشاء، من دون (بل) لسلمت لهم تزكيتهم لأنفسهم، ولكان لهم رجاء أن يكونوا ممن زكاه الله. والله أعلم. } السؤال: ما نوع الإيجاز في (يزكون) في قوله تعالى: ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم؟ الجواب: إيجاز قِصَر، حيث اختزلت هذه الكلمة الموجزة معاني كثيرة من ادعائهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه، وأن الجنة محرمة على غيرهم، وأن الهدى هو ما هم عليه وحدهم.. (وأصل التزكية التطهير والتنزيه من القبيح قولاً - كما هو ظاهر - أو فعلاً كقوله تعالى: قد أفلح من زكاها (الشمس: 9)، وقوله سبحانه: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها (التوبة: 103) والله أعلم } السؤال: ما دلالة توجيه النظر إلى كيفية افتراء اليهود على الله تعالى في قوله سبحانه: انظر كيف يفترون على الله الكذب (النساء: 50)؟ الجواب: لأن المراد بيان بشاعة هذا الافتراء وشناعته ؛ لما فيه من نسبته إليه تعالى، وهو تعجيب إثر التعجيب الوارد في الآية قبلها، وتنبيه على أن ما اقترفه اليهود متضمن لأمرين عظيمين موجبين للتعجيب، أولهما: ادعاؤهم الاتصاف بما هم متصفون بنقيضه ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم... (النساء: 49) وثانيهما: افتراؤهم على الله سبحانه، وبيان ذلك أن ادعاءهم الزكاء عنده - سبحانه - متضمن لادعائهم قبول الله وارتضاءه إياهم، ولكون هذا أشنع من الأول جرماً وأعظم قبحاً، لأنه ينسب إلى الله تعالى قبول الكفر، وارتضاءه لعباده ومغفرة كفر الكافر وسائر معاصيه فقد وَجَّه النظر إلى كيفيته تشديداً للتشنيع وتأكيداً على التعجيب والتصريح بالكذب وفي توجيه النظر إلى كيفية الافتراء على الله تعالى أيضاً إشعار بأن قبح أكاذيبهم لكثرتها وشناعتها وهي مما تسمع بحاسة السمع لذيوعها ترى أيضاً بحاسة البصر، وفي هذا مبالغة في تصويرها بإخراجها من دائرة المسموعات إلى دائرة المبصرات. والله أعلم } السؤال: ما مرجع الضمير (به) في قوله تعالى: وكفى به إثماً مبيناً (النساء: 50). الجواب: مرجع الضمير إلى الافتراء، والمعنى: كفى بافترائهم على الله إثماً ظاهراً في نفسه يستحقون به أشد العقوبات. والله أعلم
مشاركة :