رغم أن الصراعات السياسية والمآسي الفكرية والأيديولوجية التي يرزح تحت وطأتها العالم العربي والإسلامي حاليا، لا تحمل إلا الفوضى والخراب. فكل يوم يمر تظهر للجميع خطورة الوضع الفكري الذي وصل إليه الكثير من فئات الشباب الإسلامي وحتى بعض الغربي، الذين تتلمذوا على أيدي عتاة الغلو والتطرف في العالم، بمساندة عباقرة الاستخبارات العالمية، الذين يوظفونهم لتنفيذ أجندة سياسية معروفة. أقول: رغم جميع ما سبق، إلا أن "الخير في عطف الشر" كما يقول المثل الدارج في جنوب المملكة، حيث استنفرت تلك الطروحات الدموية المغالية، الكثير ممن كانوا يفضلون الصمت، خصوصا بعد أن وصل التهديد إلى "مشايخهم" الذين لم يتوقعوا يوما، أن يتنكر لهم "التلاميذ" ويعودوا إليهم ـ بعد السمع والطاعة ـ بالسكاكين الحادة. فظهرت فتاوى عديدة، تحاول مواجهة، هذا السيل الدموي الخطير. وهذا أمر جيد، حتى وإن أتى متأخرا بعض الشيء. لكن الأهم من الفتاوى العابرة، والتي قد تنقض بفتاوى معاكسة، ومن ذات المدرسة، يمكن الإشارة إلى ظهور بوادر مراجعات فكرية جيدة، من بعض تلاميذ تلك المدرسة، الذين تحدثوا بجرأة تحسب لهم، عن بعض مواطن الغلو في كتب، كانت وما زالت، مراجع مهمة وأساسية في تعليمنا الجامعي خصوصا، فضلا عن كونها متوفرة في متناول اليد وفي كل المكتبات ومعارض الكتب. وبالطبع من الأهمية بمكان القول، إن الحل في تنقية هذه الكتب والمراجع العلمية من شوائب الغلو الذي حذر منه سيد الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام، ليس المنع والمصادرة، فلا بد أن تبقى شاهدة على عصر مضى ندفع ثمنه الآن. ولكن الحل العلمي والصحيح، هو فتح النقاش حولها، وحول ما حوته، بكل شفافية وحرية، وليكن المقياس الوحيد هنا هو المنهج العلمي، بعيدا عن تقديس الأشخاص، فمشكلة ثقافتنا العربية والإسلامية بشكل عام، والسعودية بشكل خاص، هي المبالغة في تنزيه العلماء المجتهدين، عن أي خطأ بشري، وقطع الطريق على أي حوار علمي، حول إرثهم الاجتهادي في قضايا العقيدة والفقه، رغم أن لكل حالة ظروفها الزمانية والمكانية، التي أنتجت اجتهاداتهم المقدرة. في اعتقادي أن التحدي الكبير الآن أمامنا جميعا، هو كيف نتعامل مع هذا الإرث الضخم الذي تحول إلى مسلمات لا تقبل النقاش في عقول الكثير من فئات المجتمع. والتساؤل الأهم الذي يجب أن نطرحه بشفافية ونجيب عليه بصراحة، هو: هل تجرؤ مؤسسات حكومية وجهات أهلية، تبنت ونشرت الكثير من الكتب التي تعزز التطرف، وبعضها يحتوي على إشارات التكفير مثل بعض الكتب التاريخية، على مراجعة ما نشرت والاعتراف بالخطأ والتصحيح العلني؟. لا نقول الاعتذار لملايين المسلمين الذين طالهم الأذى المعنوي من مثل تلك الكتب، ولكن نقول على الأقل التصحيح.
مشاركة :