مع إعلان حركة «الجهاد الإسلامي» عن استشهاد خمسة من عناصرها ما زالت جثثهم مدفونة داخل النفق، وترويج إسرائيل لـ«حتمية تصعيد حربي في المنطقة» إذا تم الرد على عمليتها، ووضعها شروطاً تعجيزية أمام إخراج الجثامين، قررت إسرائيل الاستمرار في حالة الاستنفار والطوارئ، وجمدت الأعمال في بناء الجدار تحت الأرض على طول الحدود مع غزة. وفي الوقت نفسه، دعت «المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا»، إلى فتح تحقيق دولي في نوع السلاح الذي استخدمه الجيش الإسرائيلي في قصف النفق في قطاع غزة يوم 30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ما أدى إلى مقتل سبعة فلسطينيين وجرح آخرين، إضافة إلى وجود مفقودين. وأضافت المنظمة، في بيان لها، أمس الجمعة: «أن أطباء قاموا بمعاينة جثامين الضحايا أفادوا بأن مواد سامة استخدمت في عملية القصف؛ نظراً لنزيف الدماء من الأذنين والفم والأنف، كما أن هناك مصابين أصيبوا بإعياء شديد نتيجة استنشاقهم للمواد السامة». وبينت المنظمة أن «الاحتلال الإسرائيلي معروف باستخدام أسلحة محرمة دولياً مثل الرصاص المتفجر والفسفور الأبيض والقنابل الانشطارية، حيث استخدمها على نطاق واسع في حروبه على قطاع غزة، مما أدى إلى وقوع خسائر فادحة بالأرواح». ونوهت المنظمة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يبالغ بما يسميه «التهديد الأمني من قطاع غزة ومسألة الأنفاق حتى يبرر هجماته القاتلة مستخدماً كل أنواع الأسلحة على أهداف يسميها تخترق السيادة الإسرائيلية». وكان هذا التدهور قد حصل في يوم الاثنين الماضي، حيث قتل سبعة مقاومين فلسطينيين، وأصيب 13 آخرون بجراح جراء استهداف قوات إسرائيل نفقاً يمتد من القطاع باتجاه إسرائيل في منطقة خانيونس. كما فقد الاتصال مع خمسة آخرين، ترفض السلطات الإسرائيلية السماح بعمليات تنقيب للبحث عنهم، في الجهة الإسرائيلية. واشترطت إسرائيل إحراز تقدم في قضية الإسرائيليين الأسرى في قطاع غزة، قبل السماح باستئناف أعمال البحث والتنقيب عن المقاومين الفلسطينيين الخمسة. وبسبب هذا الرفض، توجه «مركز عدالة» و«مركز الميزان لحقوق الإنسان» في غزة، إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية، بالتماس يطالبون فيه بإجبار الجيش الإسرائيلي على إتاحة الدخول الفوري لطواقم الإنقاذ الفلسطينيّة في غزة إلى «المنطقة العازلة» من أجل البحث عن المفقودين العالقين تحت الركام وإنقاذهم. وقال المركزان في بيان أصدراه، أمس، إن طواقم الإنقاذ الفلسطينية نجحت في الوصول لمسافة 300 متر عن الشريط الحدوديّ، إلا أنّها لم تتمكن من الوصول إلى المفقودين والعالقين الموجودين في منطقة أقرب للشريط، وذلك بسبب المنع الذي يفرضه الجيش الإسرائيلي على دخول الفلسطينيين لمسافة تقل عن 300 متر من الشريط، وهي المنطقة التي تعرّفها إسرائيل كمنطقة عازلة، وهذا رغم كونها أرضاً فلسطينية، وتقع داخل حدود قطاع غزة، وأن الطواقم هي طواقم طبية وطواقم إنقاذ. ومع أن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية، أفيحاي مندلبليت، وافق على السماح للفلسطينيين بذلك، إلا أن وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، مسنوداً بتأييد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يرفض بشدة ويصر على منع الفلسطينيين من إخراج الجثامين إلى حين توافق «حماس» على إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين لديها. وذكرت المؤسستان في التماسهما بأنّ «إجراءات الجيش الإسرائيلي التي اتخذها في هذه الأحداث تنتهك القانون؛ فمنع البحث عن مفقودين وإنقاذهم في منطقة خاضعة لسيطرة الجيش الإسرائيلي هي سياسة غير قانونيّة إطلاقاً، وتتناقض مع القانون الإسرائيلي والقانون الدوليّ، ومع الأعراف والاتفاقيّات الدوليّة، كما تتناقض مع قوانين الحرب وقواعد القانون الدولي الإنساني كما تنصّ عليها معاهدات جينيف». وذكرت المحاميّة حدّاد في هذا السياق أنّ «حماية الجرحى في زمن الحرب، وواجب توفير العلاج الطبي اللازم، ونقل جثث القتلى، وحصانة سيّارات الإسعاف والمستشفيات والطواقم الطبية، هي بمثابة مبادئ مؤسِسة في القانون الدولي الإنساني وفي مواثيق جنيف الأربعة. لذلك، فإنّ حركة الطواقم الطبية وطواقم الإنقاذ يجب أن تكون حرّة، من أجل تمكينهم من البحث عن المفقودين دون أي تأجيل، ومن أجل زيادة احتمالات إنقاذهم وهم على قيد الحياة». وعن موقف شرط «التقدّم بالمفاوضات حول الأسرى الإسرائيليين في غزة» الذي فرضته الحكومة الإسرائيليّة لقاء السماح لطواقم الإنقاذ بممارسة عملها، فقد جاء في التماس «عدالة» أنّ «الحكومة الإسرائيليّة تستخدم هؤلاء المفقودين العالقين تحت الأنقاض كورقة مساومة لأهدافٍ سياسيّة، وهي اعتبارات رفضتها المحكمة العليا سابقاً، ورأت أنها لا تبرر مثل هذا المسّ الخطير وغير المحمول بحياة العالقين تحت الأنقاض». على ضوء ذلك، طالب مركز عدالة ومركز الميزان المحكمة بإصدار قرار يلزم الجيش الإسرائيلي بالسماح بدخول طواقم الإنقاذ إلى المنطقة العازلة لأداء مهامهم. ويواصل القادة الإسرائيليون التعاطي مع هذا الملف على أنه بداية توتر حربي. ولذلك قرروا تجميد العمل في بناء الجدار وإبعاد الدوريات الإسرائيلية عن حدود قطاع غزة، ومواصلة حالة الاستنفار العسكري في المنطقة، والتحذير بأن «الجهاد الإسلامي» سيطلق الصواريخ الانتقامية حتماً، وأن إسرائيل سترد عليه بتصعيد حربي كبير. ويرى محللون أن الموقف الإسرائيلي يعبر في الحقيقة عن رغبة في تفجير الوضع، لإفشال جهود المصالحة الفلسطينية.
مشاركة :