محمد حسن علوان: ابن عربي في روايتي شخصية متخيلة

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

حاوره: محمدو لحبيب محمد حسن علوان كاتب سعودي مقيم في كندا، استطاع أن يثبت بسهولة أن التميز لا يتطلب بالضرورة مساحة زمنية طويلة، ولا كمّاً سرديّاً كثيراً، فمن خلال خمس روايات فقط حتى الآن، وصل علوان إلى مرحلة صُنّف فيها سنة 2010 ضمن أفضل 39 كاتباً عربيّاً تحت سن الأربعين، وأُدرج اسمه في أنطولوجيا (بيروت3)، وفازت النسخة الفرنسية من روايته (القندس) عام 2015 بجائزة معهد العالم العربي في باريس، كأفضل رواية عربية مترجمة للفرنسية لذلك العام، ومؤخراً فازت روايته «موت صغير» بجائزة البوكر العربية في العام الجاري.التقيناه على هامش مشاركته كضيف على المعرض، ورغم مشاغله العديدة، استطعنا محاورته ولو بشكل مختصر عن آخر رواياته «موت صغير»، والتي تناولت موضوعاً إشكاليّاً يتعلق بسيرة حياة الصوفي الشهير محيي الدين بن عربي. * هل يمكن القول إن رواية «موت صغير» حاولت أن تقتل الصورة النمطية التي كان يعرف بها ابن عربي، وتقدمه بدلاً من ذلك بدون هالة، كأي إنسان عادي يحب ويكره، ويبكي وينكسر إلى غير ذلك؟- نعم هذه كانت نيتي منذ بداية الرواية، أنت تعرف أن محيي الدين بن عربي كان من أكثر الشخصيات الجدلية في العالم الإسلامي، وعندما تقرأ عن ابن عربي فإنك ستقرأ إما آراء فيها مبالغة بالتحدث عنه بصفته الشيخ الأكبر والإمام والمعلم، وإما آراء لكثير من الكارهين لابن عربي والمناوئين له، الذين يتحدثون عنه بشكل غير محايد، ما غاب عن كل هذه الكتابات عن ابن عربي هو ابن عربي الإنسان، هو ذلك الشخص الذي ما كان ليكون على هذا القدر من الشهرة، قبل أن يكون متواصلاً مع إنسانيته، فاعتقدت أن هذه الثيمة هي أهم ما يمكن أن أستند إليه في كتابة الرواية. * هل يمكن الحديث عن رسالة معينة سعيت إلى توصيلها من خلال روايتك؟- لا أتمنى ذلك، ولا أرغب أصلاً أن تكون أي رواية من رواياتي هي عبارة عن رسائل خفية إلى القارئ، أنا لا أؤمن بذلك، أؤمن فقط بأن الكتابة لوجه الكتابة والفن للفن والأدب للأدب، وإذا أردنا أن نوصل رسائل بعينها، فلدينا طرق أخرى لإرسالها غير الروايات. * في موت صغير، استخدمت عدة ثنائيات كالموت والحياة في البرزخ الأول، وبرزخ الحياة العادية وشهودها، ماهو المبرر السردي الروائي لاختيارك تلك المفردات؟- هذه الأشياء أحياناً يكون المبرر الوحيد لها هو إمتاع القارئ، لكنها هنا تبدو مناسبة جداً لشخصية ابن عربي، فحين تقرأ عن شخصية ابن عربي، ستجد أنها شخصية لديها كثير من الكرامات التي يتحدث عنها مريدوه وطلابه.. إلخ، ولأنه هو أيضاً كتب أنه حدثت له الكرامة الفلانية والمعجزة الفلانية، فقد وجدت بما أنه هو يتحدث في الرواية، فمن الطبيعي أن يستمر بنفس الطريقة في الحديث بهذا الأسلوب وبنفس الطريقة.فكرت أنه ربما تكون فكرة القدرة على الاطلاع على حياته البرزخية قبل وبعد، والكشف الذي تحدث عنه ابن عربي كثيراً، وهو أصلاً معروفٌ في العلوم الصوفية أن الله يكشف لك بعض ما يريد أن يكشف لك، فاستخدمت فكرة الكشف، وأفادتني كثيراً في تجاوز المناطق المظلمة، التي لا يستطيع الصوت الأول، بما أنه متحدث بضمير المتكلم، أن يكون اطلع عليها، فتجد في بعض المناطق أنه يقول كشف الله لي ذلك، وبالتالي يتحول فيها إلى راوٍ شبه عليم. * من الملاحظ في الرواية أنك مررت بعدة عوالم ومراحل تاريخية مختلفة، ومع ذلك حافظت على نفس الصوت السارد، هل بدا لك ذلك ضرورياً كتقنية هنا؟- لم يكن لدي مبرر سردي مقنع أن أغير ذلك في الرواية، رغم اختلاف الزمان، وطبيعي جدّاً أن نمط الروايات المعروف بروايات «التقدم في العمر» أو بالإنجليزية coming of age من الولادة إلى الموت يستخدم في الأغلب صوتاً واحداً، وهو صوت الشخص نفسه، خصوصاً ونحن نتحدث في بداية الفصل الأول عن مخطوطة هو كتبها بنفسه، وطبعاً هذا شيء متخيل لم يحدث في واقع ابن عربي، فلم أجد مبرراً لأن أستخدم تقنية أخرى أو أغير السارد. * حسناً ماذا عن محافظتك على نفس اللغة في طريقة حبكة الشخصيات رغم أنك تنقلت بنا عبر أزمان عديدة؟- أنا اجتهدت كثيراً على أن ما يجري على لسان ابن عربي يكون مقنعاً بشكل وبآخر، اجتهادي هذا لا يعني بالضرورة أنني نجحت في ذلك؛ لأن الموضوع صعب جدّاً، فأنت لا تملك كروائي تسجيلات صوتية لشخصياتك؛ كي تعرف كيف كانوا يتكلمون، وكل ما أستطيع أن أفعله هو أن أتخيل، ونستطيع أن نتجادل في ذلك طويلاً؛ لأنه لا أحد يملك إثباتاً ل«كيف كان الناس يتحدثون»، وكون ابن عربي في الرواية تحدث بنفس اللغة في بقعة جغرافية معينة، أوفي مرحلة من مراحل حياته، وقد تقدمت به الحياة، فهذا كله يرجع إلى تخيلي لشخصيته، فالرواية في تسعين في المئة منها متخيل، فما نعرفه عن ابن عربي قليل جدّاً، ولا يتجاوز عشرة في المئة من الرواية. * هل هناك مشروع روائي لديك انطلاقاً من «موت صغير» يقدم رؤية نقدية للصوفية، ويتناول سيرة شخصيات أخرى غير ابن عربي؟- لا، انتهت علاقتي بالصوفية وابن عربي في مجال السرد حاليّاً؛ لأن روايتي القادمة وقد بدأت في كتابتها فعلاً لا تتناول هذا الجانب، صحيح أنه فيها جانب تاريخي أحدث قليلاً من حياة ابن عربي وتاريخه، لكن لا أعتقد أنه ستكون هناك سلسلة لمثل الأعمال الصوفية. * ألا تخشى كروائي أن تكرس المقولة التي تقول إن العرب مهووسون بالتاريخ من أجل تحليل الحاضر والمستقبل؟- رواية موت صغير لا تحاول أن تنقل ذلك أو تؤكد ذلك، نعم يوجد لدينا هوس ليس بالتاريخ بحد ذاته، بل باستنباط أيديولوجياتنا من التاريخ، الغرب أيضاً مهتمون بتاريخهم، والشرق كذلك، فإذا الهوس بالتاريخ ليس إشكالاً، المشكلة أن تعتمد على التاريخ في تبني وخلق أيديولوجياتك التي تعيش بها، وهذه هي مشكلة العرب في التعامل مع تاريخهم.

مشاركة :