صالح مهدي حميد: تراجع المسرح وقلق الترجمة بقلم: محمد الحمامصي

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

المترجم يمتلك الرؤى الواضحة عمّاذا ينبغي أن يترجم من تلك الأعمال، فهو بهذا يسعى إلى تحسين الذائقة الأدبية العربية وتنوع مصادر الإبداع التي تقدم إلى القارئ العربي.العرب محمد الحمامصي [نُشر في 2017/11/05، العدد: 10803، ص(14)]صالح مهدي حميد: النتاج الفكري والنقدي والإبداعي منظومة متكاملة يحمل أستاذ الأدب المسرحي الإنكليزي بجامعة بابل صالح مهدي حميد في سيرته النقدية والإبداعية عشرات الدراسات المقارنة المختصة بالمسرح الغربي والعربي وترجمة لعشرات الأعمال المسرحية والنقدية المتعلقة بالمسرح، بالإضافة إلى ثلاثين عاما من التدريس ما بين جامعات الموصل وبابل والقادسية في العراق، وجامعات أوهايو وساوثمبتون حيث كان عضو هيئة في جامعة ولاية أوهايو (كولومبس) ثم أستاذا زائرا في قسم المسرح جامعة ساوثمبتون. وقد صدر له بالقاهرة أخيرا كتابه “المسرح التأرختوثيقي” وهو كتاب ترجم فيه مسرحيتين تقدمان بالعربية لأول مرة الأولى “اسمي ريتشل كُوري” للكاتبين المسرحيين البريطانيين آلان رِكمَن وكاثرين فاينر، والثانية “ديب كَتْ” للمسرحي البريطاني فيليب رالف، وقد قدم لهما بدراسة مهمة يوضح فيها ما يعنيه هذا المسرح الذي أطلق عليه “التأرختوثيقي” ويشكل اتجاها معاصرا في المسرح البريطاني. حول الترجمة والمسرح وكتابه الأخير كان هذا الحوار معه.. بداية يقول صالح مهدي “خلال تجربتي الأكاديمية التي تمتد لأكثر من ثلاثة عقود، خلَصتُ إلى أن القارئ العربي الذي لا يحسن اللغات الأجنبية أو يجيدها لا يمتلك الفرصة للاطلاع على المنجز الثقافي و الإبداعي غير العربي، وبالتالي تولدت لدي مسؤولية أخلاقية أنه ينبغي على مَنْ يحسن الترجمة أن يعاون القارئ العربي على امتلاك بعض من هذا الزاد الذي هو بحاجة إليه. فالإعلام والصحافة ما فتآ يهتمان بالقضايا الساخنة (وحتى اليومية منها) وتراجعت المساحات المخصصة للموضوعات الثقافية والأدبية إلى حدّ كبير على صفحات تلك الصحف والمجلات. زيادة على ذلك، توجهت صوب الترجمة لأنها عمل يحتاج إلى دراية واسعة بثقافة اللغة المنقول منها، وهو شرط أساس في القيام بالترجمة الصحيحة، لأنه دون هذا الوعي بتلك الثقافة تفقد الترجمة الكثير من شروط الأمانة والدقة. وأظن أني أمتلك الكثير من تلك الثقافة التي شعرت أنها سلاح يمكن أن يفيد كثيرا في انجاز أعمال مترجمة تقترب من روح النصوص الأصلية. ويلفت إلى حقيقة تراجع المسرح العربي عموما، والمسرح السياسي خصوصا، بسبب عوامل متعددة؛ يشكل التحدي الذي يفرضه الواقع العربي، ثقافيا وسياسيا، أحد أهم أسبابه. وبسبب هذا التراجع، غابت النصوص المسرحية العربية ليس بسبب عدو تواجدها نصوصا مكتوبة، ولكن لعزوف كل من الفرق المسرحية وجمهور النظارة على الاهتمام بها. لم يعد المشاهد العربي يشاهد غير أعمال هزيلة في أغلب الأحيان تعتمد على “شهرة البطل/البطلة” الهدف منها جني بعض الأرباح لا غير. وللأسف، ابتعد المسرح عن الخوض في المواضيع “الساخنة” التي تهم حياة المواطن العربي، والتي يشكل “الوضع السياسي” عنصرا رئيسا منها، إما خوفا من ردود فعل السلطات العربية الحاكمة التي تبدو مستعدة على الدوام لـ”توجيه” التهم والعمل على “إسكات” أصوات الرفض التي تنطلق ضد فساد تلك السلطات وأدائها الفاشل في مسؤولياتها الوطنية؛ أو للشعور بالإحباط بأن الأوضاع القائمة هي خارج حدود القدرة على الإصلاح.أول شرط لإخضاع عمل أدبي للترجمة هو الفائدة المرجوّة من القيام بهذا العمل، زيادة على أن أهمية النص الأصلي بصفته عملا أدبيا مفيدا ففكرت من خلال هذا الوضع المتردي أن أهيئ للقارئ العربي فرصا تجاوز فيها الكاتب المسرحي مثل هذا الواقع واستطاع أن يؤشر مواطن خلل متعددة، لعله يستطيع أن يجد فرصة يحظى من خلالها بأساليب تعينه على التفكير بطرق يحاكي بها تلك الأمثلة. ولعل تخصّصي الدقيق بالمسرح الإنكليزي قد شجعني، هو الآخر، على إفادة القارئ العربي من تجربتي الشخصية من خلال إطلاعه وإطلاع حتى المهتمين بالمسرح العربي على نماذج ومدارس معاصرة في المسرح، لم تسعفه الفرص من الاطلاع عليها. ويعتقد صالح مهدي أن اختياره للعملين المسرحيين في كتابه الأخير “المسرح التأرختوثيقي” جاء لاعتبارات أخرى إذ يقول “يعتمد اختياري لمسرحية ‘اسمي ريتشل كوري’ على موضوعة المسرحية وثيمتها، لأن البطلة تُعري بعملها البطولي في التصدي لقوات الاحتلال الإسرائيلي كلا من الصمت العالمي لحالة الظلم الواقعة على الشعب الفلسطيني، وهي بالتالي تمثل اعلي درجات الإيثار والجود التي يفترض أن تجد لها مساحة بين جميع مواطني العالم الذي ‘يشرّع” القوانين التي ترفض إذلال الإنسان والنيل من كرامته. أما البطلة في مسرحية ‘ديب كت’، فهي تمثل جيلا من الشباب الغربي الذي يبحث عن فرصة من أجل تأمين سبل عيشه، فيجد أن أسهل تلك الطرق هو الانخراط في الخدمة العسكرية التي تؤمّن له وسائل العيش المتاحة. أعتقد أن البطلة في ‘ديب كت’ تمتلك قيمة رمزية، ولا يشكل جنسها بصفتها أنثى أيّ بعد مسرحي أو سياسي أو اجتماعي، فهي واحدة من الضحايا الأربعة التي لاقت حتفها بسبب إهمال السلطات العسكرية وبمعاونة سلطات الشرطة و حتى الإعلام، وعزَت تلك السلطات أسباب الوفيات إلى ما تدعي أنه حالات انتحار! أعتقد أن الاختيار قد اهتم بالعملين المسرحيين قبل التفكير بمَنْ هو البطل في كل منهما. في العمل الأول، تنطلق صرخة تطال الرأي العام الذي أصيب بالصمت إزاء ما يجري من حوله، وبالعمل الآخر تمثل الصرخة إدانة ‘محلية’ للمسؤولين الإنكليز في الجيش والشرطة والإعلام، على حد سواء”.المسرحي مؤرخا ويرى مهدي أن المكتبة العربية تخلو من كتب باللغة العربية حول هذا النوع من المسرح، “ولعل هذا الغياب هو السبب الأول في رغبتي التعريف به و تقديم نصوص أجنبية كتبت وفق عناصره. ولعل محاولتي ‘نحتَ’ المفردة نابع من غياب ذلك التوصيف لهذا النوع من المسرح. بالتأكيد، لا يخلو المسرح العربي من مساحة ضمن المسرح السياسي لكنه لا يمتلك خصائص المسرح التارختوثيقي. أما في اللغة الإنكليزية، فهنالك الكثير من الكتب والدراسات التي تناولت هذا النوع من المسرح، لعل أهمها، على سبيل المثال فقط: أولا دراسة ديريك باجيه الموسومة بـ’المسرح التأرختوثيقي: التقنيات التاريخية والوثائقية’ المنشورة في المجلة الفصلية ‘مجلة المسرح الجديد’ المجلد 3، العدد 12، العام 1987؛ ص ص: 317-336. ثانيا دراسة توم كاتريل الموسومة بـ’التمثيل في المسرح الوثائقي’، الصادر في لندن عام 2013. ثالثا دراسة كريس ميكسون الموسومة بـ’تطبيقات المسرح التأرختوثيقي في المسرح المعاصر’ المنشورة في ‘مجلة المسرح المعاصر’، المجلد 16 (4) 2006. رابعا أطروحة ماجستير في جامعة كندا للباحثة ميلاني كارن مور الموسومة بـ’تطبيق على المسرح التأرختوثيقي’- 2013 وهناك عدد كبير آخر من الدراسات المهتمة بهذا المسرح”. ويؤكد مهدي أن أهم التحديات التي تواجه الترجمة هي الإلمام بثقافة اللغة المنقول منها وكيفية تعامل المترجم مع النص بصفته تمثيلا ثقافيا لأمة بأجمعها. قد يلجأ بعض العاملين في حقل الترجمة إلى التعامل مع النص الأجنبي “الآخر” بواقع ومعطيات ثقافة لغة المترجم، مما ينجم عنه تناشز واضح في المحتوى، مما يخفق في إيصال الصورة الصحيحة المطلوب إيصالها إلى المتلقي. زيادة على ذلك، يشكل اختيار ماذا ينبغي أن يترجم إشكالية أيضا، فليس كل ما تفرزه لغة الآخر صالحا للترجمة، إذ ينبغي أن يمتلك المترجم رؤية واضحة عن “الهدف” وراء نقله نصا ما من لغة إلى أخرى. لعل قراءة نتاج المترجمين المشهود لهم بالريادة وحسن العمل في العالم العربي، وهم كثير حقا، أحد أهم المسؤوليات التي تقع على المترجم. فالقراءة والتواصل مع أعمال المترجمين الآخرين إمداد دائم بعناصر الإبداع. ويشير إلى أن أول شرط لإخضاع عمل أدبي للترجمة هو الفائدة المرجوّة من القيام بهذا العمل، زيادة على أن أهمية النص الأصلي بصفته عملا أدبيا مفيدا، فينبغي أن يكون العمل الأدبي الذي ينوي المترجم التصدي له ذا عناصر إبداعية و ثيمية مؤثرة ومفيدة للقارئ العربي؛ ويفترض أنه ينبغي على المترجم ألاّ يقع أسير “اسم الكاتب” الأجنبي وشهرته؛ على الرغم من أن ذلك يشكل عاملا مهما عند التفكير بنشر العمل المترجم لاحقا. ويرى صالح مهدي أن على المترجم أن ينبري للقيام بترجمة الأعمال الأدبية المهمة طوعا لأن مثل هذا العمل يشكل مسؤولية أخلاقية وثقافية مهمة تقع على عاتقه. ويجب أن يتحول المترجم بفضل معرفته بلغة الآخر إلى عين للقارئ؛ فالمترجم يمتلك الرؤى الواضحة عمّاذا ينبغي أن يترجم من تلك الأعمال، فهو بهذا يسعى إلى تحسين الذائقة الأدبية العربية وتنوع مصادر الإبداع التي تقدم إلى القارئ العربي.المترجم متطوعا وحول استحواذ الروايات والكتب الفكرية والنقدية المترجمة على جلّ اهتمام القارئ العربي العادي والمتخصص، ومن جانب آخر احتفاء دور النشر الخاصة بنشرها، وذلك كله في مقابل تراجع في الاهتمام بالمؤلفات العربية على اختلافها. يقول مهدي “إن هذه التفاتة ذكية فالنص الفكري والثقافي والعلمي غير العربي يحظى بمصداقية عالية تفوق ما يلقاه النص العربي المؤلَّف. لعل بين أسباب هذا التوجه تراكم الأفكار عن أفضلية الآخر غير العربي في شتّى الميادين وهي فكرة دَرَج عليها المواطن العربي منذ فترات بعيدة شكلت لديه ما يسمّى حاليا بعقدة ‘الخواجه’. إضافة إلى ذلك، فشل المنجز العربي حقا في أن يفرض حضوره المميز على الساحات الثقافية والأدبية لانشغال المثقف والمفكر العربي بقضايا جانبية ذات أطر محلية وأحيانا ضمن المحيط العربي نفسه، بقضايا ذات أطر قطرية أو فئوية مما جعل المتلقي يشكك بمصداقية هذا الخطاب، قياسا بالمنجز غير العربي الذي يخاطب الجانب الإنساني. ولعل ارتباط بعض الكتاب بعجلة السلطات الحكومية في بلدانهم يحرمهم من احترام المتلقي، وبالتالي احترام المنجز الذي قد يأتي أحيانا صوتا للدفاع عن، أو التبشير بأفكار السلطة التي ربط مستقبله الفكري ولو دون قصد بها”. يؤكد صالح مهدي أن النتاج الفكري والمنجز الثقافي والأدبي منظومة متكاملة؛ وأن تراجع حقل من حقولها لأيّ سبب يفرض ذلك التراجع تأثيرا سلبيا على المنظومة بأكملها. التراجع الذي حلّ بالأطر الثقافية بسبب تراجع البنى الفكرية والثقافية العربية في بعض بلدان العالم العربي إن لم يكن جميعها، وهذا لا يشجع المترجم على “المغامرة” بتقديم نصوص وأعمال لا تتسق مع حالة التراجع هذه لأنه يعرف أن أحدا من بين القراء لن يهتم بالمنجز الجاد في أزمنة التراجع الثقافي الذي يعيشه المتلقي. ويضيف “لم نشهد في بلداننا العربية اهتماما حقيقيا بدور الترجمة في صنع التواصل مع الآخر؛ ولعل سبب ذلك يعود أولا إلى شيوع “ثقافة المعلومة اليسيرة والجاهزة” التي توفرها الإنترنت للقارئ الذي استسهل عملية الحصول عليها، وابتعد عن الرغبة الجادة بالتقصّي بنفسه عما يُستحدَث في شتى ميادين الحياة. ولعل هذا الدور الذي تلعبه الإنترنت في حياة المواطن العربي -ومن بينهم حتى المواطن المتخصص- منح المؤسسات الحكومية والثقافية العربية المسوّغ لعدم التفكير بتأسيس مراكز متخصصة تقع على عاتقها مسؤولية نقل المنجز الثقافي و الفكري للآخر. أنا على يقين أننا بحاجة إلى مراكز معنية بالترجمة تحمل رؤى متعددة الطيف الفكري والثقافي وحتى العلمي، تنقل ما يخدم المواطن العربي من خلال نقل المنجز المهم إلى اللغة العربية؛ وعلى الصعيد الآخر، الأكثر أهمية، نقل المنجز العربي الفكري والأدبي والثقافي إلى لغات العالم المختلفة، حتى يطّلع المتلقي غير العربي عن ثقافة هذه الأمة، وهو ما يؤثر في تحسين الصورة القاتمة التي يحملها الآخر عن العربي؛ خصوصا في الوقت الحالي الذي تعرضت فيه الثقافة العربية والفكر العربي إلى هجمات شرسة ما جعل الآخر يمتلك المسوغ بتوصيف الثقافة العربية بمميزات سلبية أو عدوانية أو حتى موغلة في التخلف. لعل ما يحدث من أعمال إرهابية في عموم العالم وربط هذه الأعمال بثقافة أمة أو دين أمة معينة بحاجة إلى جهد متواصل لتوضيح الجوانب الحقيقية للثقافة والإبداع العربي الذي غاب أو غُيّب كثيرا فأتاح الفرصة لمثل هذا التشويه المحزن”. وفي النهاية يؤكد صالح مهدي على أن “الترجمة لم تحتل بعد الموقع الجدير بها بين الأعمال الإبداعية المتنوعة؛ وهي بحاجة، على حد زعمي، إلى عمل مشترك من جميع الجهات ذات العلاقة. فعلى سبيل المثال لازال المترجم العربي لا يمتلك جمعية للمترجمين العرب تأخذ على عاتقها لمّ شمل العاملين في حقل الترجمة في الوطن العربي؛ وتحديد مسارات ثقافية ومهنية، وعقد مؤتمرات وندوات دورية تسعى إلى نشر الوعي بأهمية الترجمة وتتبنى مشاريع ترجمية كبيرة تهم المنجز الثقافي والفكري للآخر على حد سواء من المنجز الفكري والثقافي العربي”. كاتب من مصر

مشاركة :