< في صبيحة انطلاق عملية «عاصفة الحزم»، كتب الصديق الروائي المعروف أحمد أبودهمان تغريدة في «تويتر» قال فيها: «ما أجمل أن تصحو على وطن شجاع». تناقل المغردون، وأنا منهم، هذه التغريدة لأنها تلخص مشاعر أبناء الوطن، وكثير من أبناء الأمة العربية بالفرحة بقيام قائد عربي بمواجهة حقيقية للمشروع الإيراني الساعي إلى التمدد في الوطن العربي. كانت هي العاصفة التي اقتلعت آمال الصفويين في طهران وأذنابهم في المنطقة من أحلام السيطرة وبناء الإمبراطورية المتخيلة. وما بعد فجر يوم الـ26 من آذار (مارس) 2015 كان السعوديون والعالم على موعد في كل يوم مع مزيد من الإنجازات والأحداث والمواقف، التي وجد الأصدقاء صعوبة في استيعابها، وأفقدت الأعداء صوابهم حتى طاشت «أبواقهم» بالنعيق والصراخ، الذي كان بالفعل على قدر الألم. هذا هو عهد سلمان بن عبدالعزيز، الذي بدأ بترتيب بيت الحكم ونقل ولاية العهد إلى الجيل الشاب من أبناء الأسرة المالكة، في لحظة تاريخية لم يتوقع أقرب الناس إمكان حدوثها بهذه السرعة، لكنها كانت مبعث ارتياح لأبناء الوطن على استدامة الاستقرار السياسي في محيط شديد التقلب تتنازعه الأخطار من كل جانب، وبالتالي استمرار النماء وضمان مستقبل الأبناء والأحفاد في عيش كريم ينقلهم إلى المستقبل. الدماء الشابة التي دخلت مؤسسة الحكم وموقع صناعة القرار، متمثلة بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، سارعت بإعلان خطتها لصناعة المستقبل بإعلان «رؤية السعودية 2030» التي كانت أول خطة حكومية ذات أهداف واضحة ومسار زمني محدد ومعايير قياس أداء صارمة، كان العنوان الرئيس لهذه الرؤية هو الانتقال بالسعودية، حكومة وشعباً، إلى مستقبل لا يكون رهينة مورد ناضب، وأن الاقتصاد الجديد سيعتمد على أداء حكومي متطور وقطاع خاص حيوي مبادر ومواطنين يشاركون في البناء بما يمتلكون من طاقة وما اكتسبوه من معرفة. وأذهل الأمير الشاب جميع المراقبين في الداخل والخارج، حينما تحدث بقدر كبير من الصراحة والوضوح عن أن المرحلة المقبلة ستتسم بالعدالة والشفافية والقضاء على الفساد، ودوت كلماته المتلفزة، التي قال فيها: «لن ينجو أي شخص دخل في قضية فساد، أياً كان، سواء أكان وزيراً أم أميراً، تتوافر عليه الأدلة الكافية». ولم يكن أحد يعرف كيف يمكن أن يتم ذلك. بدأت عملية خلخلة الجهاز الحكومي، وفي الوقت نفسه تم إعلان التهيئة لطرح جزء من أسهم «أرامكو» السعودية في السوق العالمية، بما يعنيه ذلك من أن أوراق هذه الشركة العملاقة ستفتح لكل المستثمرين وللمواطنين، بطبيعة الحال، المرة الأولى في تاريخها، وظهر صندوق الاستثمارات العامة لاعباً رئيساً في الأسواق المحلية والدولية، معلناً استثمارات استراتيجية في الخارج، ومؤسساً لاستثمارات نوعية في الداخل، فسمعنا عن مشاريع «القدية» و«البحر الأحمر» ومشاريع أخرى، حتى جاء المشروع العملاق «نيوم». لن يعنينا ما قاله ويقوله المشككون، لكن المشفقين تساءلوا: كيف يمكن للسعوديين أن ينفذوا هذا التحول وهذه المشاريع، في الوقت الذي تنخفض فيه أسعار النفط، وفي الوقت الذي تحمل فيه السعودية أعباء ممارسة دورها العالمي بمسؤولية وإيجابية ومبادرة، وتتصدى لمسؤولياتها العربية في سورية ولبنان والعراق واليمن، وتخوض حرباً لاستعادة الشرعية في اليمن، وتواجه المشروع الإيراني التوسعي، وتحارب الإرهاب، ثم أخيراً تضطر إلى فتح جبهة مع قطر، التي ثبت تآمرها على الدولة والعمل على تقويضها؟ مساء السبت كاد انفجار في سماء العاصمة أن يعكر صفو سكانها، لولا أن السلطات سارعت بإعلان تصدي قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي لصاروخ باليستي أطلقه عملاء طهران تجاه الرياض، وبطبيعة الحال أدرك السعوديون بسرعة أن هذا العدوان الفارغ كان محاولة لإرباك صناع القرار السعودي في ما أعلنوه عن موقف واضح تجاه عملاء الصفويين في المنطقة، وتحديداً حزب الله اللبناني. اطمأن الناس وبدؤوا ينتظرون سماع مزيد من التفاصيل، حين غيرت الأوامر الملكية، التي صدرت بعد أقل من ساعة، المزاج العام؛ من القلق إلى الاستبشار. في مقدم الأمر الملكي بتشكيل «اللجنة العليا لمكافحة الفساد» جاءت استشهادات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، ما يوحي بأن أمراً جللاً سيحدث. كان إعلاناً واضحاً عن انطلاق «عاصفة حزم» جديدة لاقتلاع رؤوس الفساد، ثم تتالت الأنباء أن الإعلان تلته مباشرة غارات شبيهة بغارات المقاتلات السعودية في أجواء اليمن، ونشرت أسماء شخصيات كان يعتقد أنها في حصن حصين من المساءلة، تم التحفظ عليهم للتحقيق معهم ومحاكمتهم واسترداد ما نهبوه من المال العام، تحت غطاء ما أخذوه من الثقة، وأعيد فتح كل الملفات المعلقة التي كانت شبهة الفساد فيها «تزكم الأنوف»، منها ما عرفه الناس، ومنها مالم يعرفوه، لكنهم عرفوا ما الذي عناه ولي العهد في تصريحه. وفي الوقت نفس، كانت مقاتلات سلاح الجو الملكي السعودي تصب حممها على كهوف ومعسكرات متمردي اليمن العملاء، رداً على تطاولهم على «عاصمة القرار العربي». أكمل سكان العاصمة والوطن سهرتهم، ومضوا إلى فرشهم ليناموا في حضن وطن قوي.
مشاركة :