الرياض - قبل أسبوعين كان فندق ريتز كارلتون بأنواره المتلألئة في الرياض يستضيف مؤتمرا دوليا للترويج للسعودية كمقصد للاستثمار في حضور أكثر من ثلاثة آلاف من كبار المسؤولين وزعماء قطاع الأعمال. والآن فإن الفندق يستخدم بصفة مؤقتة كسجن فاخر لبعض من النخبة السياسية وكبار رجال الأعمال الذين جرى احتجازهم في حملة واسعة على الفساد قد تغير طريقة عمل الاقتصاد. وبإحتجاز عشرات من المسؤولين وكبار رجال الأعمال، فإن هيئة جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تسعى إلى تفكيك شبكة من المحسوبية والعمولات شوهت الاقتصاد لعقود. لكنها عملية محفوفة بالمخاطر لأن الحملة تلحق ضررا ببعض من أكبر رجال الأعمال بالقطاع الخاص في المملكة وزعماء مؤسسات عائلية ممن بنوا معظم الاقتصاد غير النفطي على مدى العقود القليلة الماضية. وقد تعاني صناعات كثيرة إذا نضبت الاستثمارات من هذه العائلات في الأشهر المقبلة في وقت انزلق فيه الاقتصاد بالفعل إلى ركود بسبب ضعف أسعار النفط وسياسات التقشف. ومن ناحية أخرى فإن سلالة جديدة من الشركات التي تساندها الدولة تصعد لمنافسة الحرس القديم، وكثير من هذه المشاريع الجديدة مرتبطة بصندوق الاستثمارات العامة، الصندوق الرئيسي للثروة السيادية للمملكة. لكن من غير الواضح مدى السلاسة التي ستحدث في الانتقال إلى هذه الشركات. وقال محلل مالي في المنطقة طلب عدم نشر إسمه بسبب الحساسيات السياسية "قواعد اللعبة تتغير. لكنها تتغير بطريقة عشوائية". وأضاف قائلا "حتى الأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعملون في إطار القواعد، لا يعرفوا هل سيظلون في إطار تلك القواعد غدا. توجد حالة من الضبابية". وقال المحلل إن بعض رجال الأعمال بالقطاع الخاص في السعودية يحاولون الآن إخراج أموالهم من البلاد "بينما لا يزال بإمكانهم أن يفعلوا هذا". وبالنسبة لكثيرين من الأجانب فإن الجانب الأكثر صدمة لهم في حملة التطهير هو إحتجاز الملياردير الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة شركة المملكة القابضة والذي يحظى بشهرة دولية. لكن بالنسبة للسعوديين فإنهم يشعرون بنفس الاندهاش بشأن اسماء المحتجزين الآخرين ومن بينهم ناصر بن عقيل الطيار مؤسس مجموعة الطيار للسفر، والملياردير صالح كامل، وبكر بن لادن رئيس مجلس إدارة مجموعة بن لادن الضخمة للتشييد. عقود حكومية تبرز حكاية مجموعة بن لادن كيف أن بيئة الأعمال تتغير. وطالما حظيت بن لادن وسعودي أوجيه، وهي مجموعة كبيرة أخرى للتشييد، بمعاملة تفضيلية في الوصول إلى أكبر المشاريع في المملكة والسيطرة على الأسعار نتيجة لعلاقاتهما الوثيقة بأمراء في الأسرة الحاكمة. لكن الشركتين كلتيهما فقدتا هذه الحظوة، عندما دفعت ضائقة مالية ناتجة عن ضعف أسعار النفط، الحكومة إلى إلغاء أو تعليق مشاريع وتأجيل مدفوعات. وواجهت الشركتان إعادة هيكلة لديون بمليارات الدولارات. واستغنت مجموعة بن لادن عن آلاف العمال بينما يقول مسؤولون ماليون في سعودي أوجيه إنها أوقفت بشكل أساسي عملياتها. وفي الوقت نفسه تتحرك شركة أرامكو السعوية النفطية العملاقة المملوكة للدولة لإنشاء شركة للتشييد مع شركاء محليين ودوليين لبناء بنية تحتية غير نفطية في السعودية وهو ما قد يجعلها تأخذ مشاريع بمليارات الدولارات كانت ستذهب في السابق إلى مجموعات عائلية. ووقعت أرامكو وصندوق الاستثمارات العامة اتفاقا مع شركة التشييد الأميركية جاكوبس انجنيرنغ لتكوين شركة لإدارة مشاريع إستراتيجية في المملكة. وأشاد كثيرون في قطاع الأعمال السعودي بسقوط نظام المحسوبية القديم والتحول نحو بيئة أعمال "أكثر نظافة". لكن آخرين عبروا عن قلقهم بشأن الآثار الاقتصادية المحتملة لحملة التطهير. ويشعر البعض بقلق من أن البنوك قد تبدأ بالمطالبة بسداد قروض قدمتها للعائلات التي يشملها التحقيق باستخدام شروط للإقراض تسمح بهذا في حالات المخاطر القانونية، وهو ما قد يؤدي لانهيار أسعار أسهم تلك الشركات. وقد يجري تجميد صفقات أعمال جديدة كثيرة. وقال رجل أعمال بشركة أجنبية لخدمات التكنولوجيا لوكالة رويترز للأنباء إنه كان يدرس مشروعا مع شريك سعودي لكنه قرر هذا الأسبوع عدم المضي قدما فيه بسبب روابط الشريك مع بكر بن لادن، أحد رجال الأعمال المحتجزين. وتتمتع اللجنة الجديدة لمكافحة الفساد بسلطات واسعة في مصادرة الأصول في الداخل والخارج. ويتساءل بعض رجال الأعمال عما إذا كانت هذه السلطات قد تستخدم للضغط على الشركات للمشاركة في مشاريع التطوير الاقتصادي التي يرعاها الأمير محمد. وقال محلل غربي "إنها الاقطاعيات الملكية القديمة خارج فرع آل سلمان بالأسرة الحاكمة التي يجري الآن تطهيرها". وأضاف قائلا "إنه مزيد من التركيز للسلطة السياسية والاقتصادية ومصادرة للأصول الخاصة التي راكمتها تلك الاقطاعيات".
مشاركة :