ازدحام أمام المعهد الفرنسي في الجزائر يحرج السلطات. العرب [نُشر في 2017/11/07، العدد: 10805، ص(4)]هجرة للدراسة أم دراسة من أجل الهجرة الجزائر - أحدث اندفاع الآلاف من الشبان الجزائريين لاستكمال الإجراءات المطلوبة للتمكّن من السفر للدراسة في فرنسا، ضجة في الجزائر وكشف عن ضيق اجتماعي تعاني منه هذه الفئة. وانتشرت عبر وسائل الإعلام صور شارع رئيسي في وسط العاصمة الجزائرية يزدحم بطلاب من الذكور والإناث يتجمّعون أمام مدخل المعهد الفرنسي بالجزائر (المركز الثقافي الفرنسي سابقا) للتسجيل في امتحان تحديد مستوى اللغة الفرنسية الضروري للدراسة في فرنسا. وكشف هذا الاندفاع الكبير عن الرغبة الشديدة لدى الشباب الجزائري في مغادرة البلاد، وما زاد من الزحمة أمام هذا المعهد تعطل نظام التسجيل عبر الإنترنت. وتساءلت صحيفة ليبرتيه الناطقة بالفرنسية في مقال تحت عنوان “لماذا يريد الجميع مغادرة البلد؟”، في حين طرحت صحيفة الوطن سؤالا جدليا “الهجرة من أجل الدراسة، أو الدراسة من أجل الهجرة؟”. وبحسب وزارة التعليم العالي فإن عدد الجامعات والمراكز الجامعية في البلاد يقارب المئة، والتعليم فيها مجاني، في حين يبلغ عدد الطلاب الجامعيين اكثر من 1.5 مليون طالب. وأوضح العديد من الطلاب الذين قضوا ساعات طويلة في انتظار دورهم، وأغلبهم حاصل على شهادة عليا، أنهم يريدون “تطوير خبراتهم”، والحصول على “إضافة” لسيرتهم الذاتية، أو يبحثون عن “غنى ثقافي” قبل العودة إلى الجزائر. لكن الحقيقة “أن أغلب الموجودين هنا يريدون العيش في الخارج بصفة نهائية”، بحسب ما أكد مهدي (26 عاما) الذي وصل إلى المكان في ساعات الصباح الأولى، وهو مهندس مدني متخرّج من مدرسة البوليتكنيك في الجزائر. بالنسبة إلى كريمة (28 سنة) التي جاءت من تيزي وزو على بعد 100 كلم شرق الجزائر، فإن “لا أحد سيعود إن تمكّن من البقاء في الخارج”، معتبرة أنه “لا يوجد أي مستقبل هنا”.أحمد أويحيى: البعض يحاول تشويه الجزائر. الموضوع يتعلق بشباب يبحث عن العلم ووصلت كريمة إلى بوابة المعهد الفرنسي في الساعة السادسة صباحا واضطرت للانتظار خمس ساعات من أجل التسجيل ودفعت مقابل ذلك 10 آلاف دينار (75 يورو) كتكاليف المشاركة في امتحان مستوى اللغة الفرنسية مثلها مثل كل المسجلين الآخرين. وهذا المبلغ يعدّ كبيرا إذ يمثل أكثر من نصف أجر الحد الأدنى للأجور. وتحصلت كريمة على شهادة في إدارة الأعمال وعملت لسنتين وتعيش في شقة مشتركة مع فتيات أخريات. تضيف كريمة أن “الراتب كان زهيدا جدا”، ولا يكفي سوى لتسديد تكاليف الإيجار والأكل والشرب، كما أن البعض ينظرون إلى “الفتيات اللواتي يعشن وحدهن في شقة بأن سمعتهن مشبوهة”. وبحسب مدير المعهد الفرنسي بالجزائر غريغور ترومل فإن 32 ألف شاب جزائري تقدّموا للتسجيل من أجل الدراسة في هذا البلد سنة 2017. ونهاية السنة ينتطر أن يصل عدد التأشيرات الخاصة بالطلاب إلى 8500 مقابل 7000 في 2016 أي بزيادة 20 بالمئة. ومثّل الطلاب الجزائريون السنة الماضية ثالث جالية من حيث العدد في الجامعات الفرنسية، حيث كانوا 26 ألف طالب، وراء الصينيين (30 ألفا) والمغاربة (32 ألفا). ولم يُخف الشبان الجزائريون في تصريحاتهم للصحافة المحلية رغبتهم بترك البلاد بسبب سوق العمل المحدودة جدا. وقالت عقيلة (25 سنة) الحاصلة على ماجيستر في الأدب الفرنسي والعاطلة عن العمل رغم فوزها في مسابقة توظيف الأساتذة “لا يوجد أي مستقبل هنا”. وعند سؤالها عما ستفعله في فرنسا، قالت “لا أعرف المهم أن أرحل”. وبحسب أستاذ علم الاجتماع ناصر جابي فإن “الشباب يرحل لأن الحلم الجزائري غير موجود”، والدراسة هي وسيلة للهجرة، كما صرح لصحيفة الخبر. وتابع “الفقراء يهاجرون بالزوارق والمتعلمون بالتأشيرة”. وفي صحيفة ليبرتيه، عزا المؤرخ أحمد روايجية اندفاع الطلاب إلى “التشاؤم من الحياة في بلاد لا توفر لهم آفاقا واعدة من أجل النجاح والسعادة في المجتمع”. وتزامن انتشار صور اندفاع الشباب أمام معهد الدولة المستعمرة السابقة، مع احتفال الجزائر بذكرى اندلاع حرب التحرير، ما أثار سخط السلطات. واعتبر الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم، جمال ولد عباس ذلك نتيجة لـ”غزو ثقافي وقعت الجزائر ضحيته”. وفي السياق نفسه ندّد حليفه التجمع الوطني الديموقراطي الذي يقود رئيسه أحمد أويحيى الحكومة “بمحاولة المساس بصورة الجزائر”. ونشر الحزب بيانا حول الضجة التي صاحبت طوابير الشباب الجزائري حول المركز الثقافي الفرنسي الأحد. وجاء في بيان حزب أحمد أويحيى “يحاول البعض تشويه صورة الجزائر كون شبابها تدفق على المركز الثقافي الفرنسي زاعمين أن القضية تتعلق بالتأشيرة، وعكس ذلك فإن الموضوع متعلق بمسابقة تجرى كل سنة حول اختبار لغوي للتأكد من مستوى الطلبة لمتابعة الدراسات العليا الجامعية في فرنسا”. وتابع “الأمر ليس قضية حراقة (هجرة غير شرعية) بل هو شباب جامعي باحث عن العلم (أطلبوا العلم ولو في الصين)”.
مشاركة :