الحضور الذي لا يقول شيئا

  • 8/26/2013
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

نقل الأستاذ علي شلش، في كتابه: هكذا يتحدث الأدباء، أن المصور الفرنسي الكبير كلودمونيه أستاذ المدرسة التأثيرية كان يقول عن نفسه: «إني أمشي في جنازة من أعرف ومن لا أعرف؛ حتى يظهر اسمي في الصحف»، آخذا في التوسع حول فكرة حب الظهور عند بعض الناس، أيا كانت صفتهم العلمية والمعرفية، في مقابل القلة التي ترى في الظل مكانا آمنا بعيدا عن الصخب والضوضاء. هذا المصور الرائد لم يلحق فتنة الضوء الواسعة في هذا الزمن المحاصر بالفلاشات. لم يلحق نوافذ الاتصال المفتوحة على جميع أصقاع الأرض. لم يلحق سهولة التواجد في أي مكان بمجرد ضغطة زر. ومع ذلك كثيرا ما أغراه بريق التواجد في الصحف (أكثر نوافذ الحضور المتاحة ــ آنذاك) بمناسبة أو بدون مناسبة. امتداد هذا الإغراء والهوس في الظهور مع اتساع وسائله الآنية واندفاع جماهيريته في الراهن المعاش، أغرق الكثير في الحضور الذي لا يقول شيئا، فقط مجرد الحضور. تماما كمن نراهم خلف لاعبي كرة القدم يحملون الجوالات بابتسامة مصطنعة حين اللقاءات المتلفزة. ومع أني لست آخذا الحديث لمصاف القراءة النفسية لرغائب الإنسان الطاغية أحيانا في التواجد والأحدوثة، ولا عن فراغ وامتلاء البعض بما يقدم.. إلا أنني أفكر فقط فيمن لا يريد من الحضور إلا الصورة.. حتى في الأماكن المزدحمة بفكرة الموت الحار والمرعب. هناك اندفاع رهيب ومسألة تكاد تكون معلقة بالغياب عن الحياة عند البعض ما لم تلتقطه عدسة الكاميرا أو يلتقط نفسه بها.. تلك العدسة التي لو أنصفت قليلا لأخذت فترة أطول في التفكير قبل أن تمد لسانها بالصورة الداخلة في ألبوم: أنظر إليّ، وهاي كيكرز. حسنا.. أي خطر يمكن أن يكون من فضول المتطفلين على مشاهد الحياة اليومية؟ أو المدونين حضورهم آناء الليل وأطراف النهار؟ غازلني هذا الخاطر للتو، وأظن أن الشيء الرحيم هنا هو: الجهل، وما قال ألبرت آنشتاين: إن أشد الأشياء استغلاقا على العقل في هذا العالم، أن العالم يمكن تعقله!.

مشاركة :