أعجوبة عراقية بقلم: باسم فرات

  • 11/10/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

لو تأملنا تاريخنا القديم فسوف نجد أن هجرات جاءتنا من الغرب وأقامت إمبراطوريات ولم تمض عليها مدة زمنية أطول من وجود العرب قبل قيامهم بتأسيس كياناتهم السياسية.العرب باسم فرات [نُشر في 2017/11/10، العدد: 10808، ص(14)] منذ سنوات وأنا أقرأ لمثقفين عراقيين زعمًا تكرر كثيرًا، وفحوى هذا الزعم أنه “منذ سقوط بابل في 539 ق.م. وحتى عام 1958م؛ لم يحكم العراق حاكم عراقي، كلهم غزاة”، ولكثرة ترددها وددت مناقشتها لمعرفة مدى دقة هذا الكلام. يتباهى دعاة هذا الزعم بأن العالم الغربي يمنح الجنسية للمهاجرين واللاجئين بعد سنوات قليلة في أغلب الأحيان لا تزيد على عشر سنوات، لكن هؤلاء الزاعمين يحرمون ملوك ممالك ميسان والحضر والبريطاوي (في سنجار) والرها والحيرة العرب من عراقيتهم. وهذه الكيانات السياسية التي وصفها الكُتّاب اليونانيون والرومان والباحثون المعاصرون بأنها عربية، تشمل أيضًا أنباط البتراء (الأردن) والإدوميّين في جنوبي فلسطين، والإيطوريين حول جبل لبنان، والحمصيين في وادي نهر العاصي وتدمر شرق سورية. فعلى الرغم من أن هؤلاء سكنوا العراق لقرون قبل أن يصبحوا ملوكًا؛ لم يكن الوجود العربي في ميسان حديث عهد حين قامت مملكة ميسان في بداية الميلاد واستمرت ثلاثة قرون، وأما الحضر فالشواهد على عروبتها قديمة، وقد تردد اسمها “باعربايا” “بلاد العرب” في النقوش الأخمينية؛ أي منذ نهاية القرن السادس أو بداية القرن الخامس قبل الميلاد. بلغت الحضر في أوائل القرن الأول الميلادي درجة كبيرة من القوّة، ولكثافة الوجود العربي فيها صمدت أمام جيوش تراجان، عندما تقدّم لغزو العراق في سنة 117م، وكانت ألقاب ملوكها “ملك العرب جميعًا” أو “المظفر ملك البلاد العربية”، حتى سقوطها في سنة 241 م. أما الحيرة فلم يكن تأسيسها مملكة حال وصول العرب إليها، إنما استغرق الأمر قرونًا حتى برزت على مسرح التاريخ بوصفها مملكة. أما في شمال العراق، وفي مدينة الرها، فقد استفاد العرب من ضعف الدول التي حكمت العراق في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، وأعلنوا استقلالهم، وشاع في ملوكهم اسم “أبجر”؛ إذ حمل تسعة ملوك هذا الاسم. وهذه المملكة التي أزالها الهجوم الساساني في سنة 241م، يحدها شرقًا نهر دجلة وغربًا نهر الفرات، ويخترق أطرافها الغربية نهرا البليخ والخابور، وتفصلها عن الأناضول جبال طوروس. وأبرز القبائل التي كانت سائدة في بواديها قبيلة طي، وكانت سائدة على ريفها في أوائل القرون الميلادية، حتى أن المصادر كانت تطلق اسم “طياية” على سكان البوادي في المنطقة كافة. وتتجلى عروبة أهل هذه المنطقة من الأسماء العربية التي شاعت عند أهلها مثل: معن، ومذعور، وأبجر، ووائل، وعبدو، وبكر وصخر. بينما لو تأملنا تاريخنا القديم فسوف نجد أن هجرات جاءتنا من الغرب وأقامت إمبراطوريات ولم تمض عليها مدة زمنية أطول من وجود العرب قبل قيامهم بتأسيس كياناتهم السياسية، فالكلديون؛ مثلاً؛ هؤلاء الذين لا يشكك أحد بأصالتهم العراقية؛ أول ذكر لهم في العراق تزامن مع أول نقش عربي في العراق، أي القرن التاسع قبل الميلاد. ما بين أول ذكر للكلديين وسقوط بابل المروع على يد الأخمينيين، ثلاثة قرون فقط، وهي مدة زمنية لا تزيد على نصف مدة حكم العباسيين في العراق، وأما النظر إلى مؤسس جمهورية العراق “عبدالكريم قاسم” بوصفه عراقيًّا أصيلاً، فإن ما بين دخول جدّه الأكبر العراق قادمًا من نجد أو اليمن وبين اغتيال الحفيد في 1963م، مدة زمنية قد لا تتجاوز مئة وثمانين سنة. وهذا يعني أن أي خليفة عباسيّا وُلدَ بعد عام 400 هـ، وجوده في العراق أعرق من وجود نابونيد آخر ملوك الكلديين في العراق، وأسبق مرتين من وجود عبدالكريم قاسم، فكيف يكون كل مَن حكم العراق ما بين سنة 539 ق.م. وسنة 1958م. ليس عراقيًّا؟ وبأي وجه حق نزعنا العراقية عنهم؟ كاتب عراقيباسم فرات

مشاركة :