تَحَدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ علي بن عبدالرحمن الحذيفي عن نعمة الشكر التي أنعم الله بها على عباده العامة منها والخاصة، قال تعالى {يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم، هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون} وقال جل من قائل {واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور}. وقال "الحذيفي": الله تعالى أخبرنا أن النعم كلها منه؛ للقيام بحقه تبارك وتعالى قال جل في علاه: {وما بكم من نعمة فمن الله}؛ مبيناً أن الناس يعلمون كثيراً من النعم، ويجهلون أكثرها، قال الله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم}. وأضاف: النعم سُخّرت لطاعة الله وعبادته وعمارة الأرض وإصلاحها قال تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}، وإن شكر النعم يكون باجتماع أمور محبة الله والخضوع له ومع تيقن القلب أن كل نعمة هي تفضّل وإحسان من الله من جميع الوجوه، لا يستحقها العبد على الله؛ وإنما هي منة وإحسان من الله تعالى. ودعا إلى استخدام نعم الله فيما يُرضي الله عز وجل، والثناء عليه بما يحب ويرضى؛ فالله يبتلي بالخير والشر؛ ليعلم الشاكرين والصابرين، قال تعالى: {ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}؛ لافتاً النظر إلى أن الشكر على المصائب أعلى من شكر النعم، قال جل وعلا: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}، وأن من أعظم الشكر شكرُ نعمة الإيمان، وشكر بعث محمد رسولاً لله إلى عباده، وشكر كل نعمة بخصوصها، قال الله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين}؛ فالشكر يؤدي إلى الزيادة، قال جل من قائل: {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد}. وأكد أن الشاكرين هم الفائزون بخيريْ الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين}، وأنهم أهل نعم الله الذين يخصهم بما لا يخص غيرهم به، قال أصدق القائلين: {أهؤلاء مَنّ الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين}. وشدد "الحذيفي" على ضرورة دوام الشكر والاستقامة والبعد عن كفر النعم، قال تعالى: {سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته فإن الله شديد العقاب}. وقال: دوام الشكر يزيد من نعم الله، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام، عن ربه تبارك وتعالى، قال: (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، وما ترددت في شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته، ولا بد له منه، ما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، ومن أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً، دعاني فأجبته، وسألني فأعطيته، ونصح لي فنصحت له، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه؛ لا يدخله العُجب فيفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي المؤمنين من لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين من لا يُصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك.. إني أدبر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير). وأضاف: الله تعالى له نعم عامة وخاصة على المسلمين توجب الشكر والاستقامة، كما أن لله تعالى نعماً خاصة على هذه البلاد مَن بها عليها، ومن أجل هذه النعم أن جمع الله كلمة أهلها على كلمة واحدة وصف واحد؛ فانتظمت لهم مصالح الدين والدنيا، وعمرت بها الديار، ودُفع بها شر الأشرار، وعظمت الأمة، وحفظ الدين وصِينت الدماء والممتلكات، قال جل من قائل: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}. وأردف: من نعم الله على هذه البلاد هيمنةُ الشريعة؛ فهي شريعة العدل والوسطية، قال تعالى: {قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم ديناً قيماً ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين}. وقال "الحذيفي": أمة الإسلام أمة وسط لا غلو ولا تضييع، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً}، وإن أمن المملكة له منافعه عليها خاصة وللناس أجمعين، لمكانة الحرمين الشريفين وأخوة الإسلام. وأضاف: من نعم الله على هذه البلاد، تتابعُ المشاريع الخيّرة التي تخدم المواطن المسلم ومن يسكن هذه البلاد، وفي مقدمة هذه المشاريع عمارةُ الحرمين الشريفين التي توجب الشكر؛ فالشكر منافعه للشاكرين، والتقصير فيه ضرره على الغافلين، قال تعالى: {ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد}، حاثاً على شكر الله قياماً بحقه تعالى، قال تعالى: {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى، ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعملون إنه عليم بذات الصدور} وعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه: {رب أعني ولا تُعِن عليّ، وانصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر عليّ، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، رب اجعلني لك شكاراً، لك ذكاراً، لك رهاباً، لك مطيعاً، إليك مخبتاً، إليك أوّاهاً منيباً، رب تقبّل توبتي، واغسل حوبتي، وأجِب دعوتي، واهد قلبي، وسدد لساني، وثبّت حُجتي، واسلل سخيمة قلبي).
مشاركة :