عادة ما تتمركز الجاليات العربية والإفريقية في مصر داخل محافظات ثلاث: القاهرة، وجنوبها في محافظة الجيزة، وشمالها في الإسكندرية. لكن الجالية السودانية رسمت خريطة مغايرة، إذ يستقر الآلاف منهم في أسوان (جنوب مصر) المتاخمة للحدود السودانية، إضافة إلى محافظة الشرقية (دلتا النيل)، والسويس والإسماعيلية (مدن القناة)، ما عُد مؤشراً إلى تباين وضع الجالية السودانية وطبيعة اندماجها في المجتمع المصري منذ عقود، مقارنة بغيرها. تنقسم الجالية السودانية داخل مصر إلى فئات ثلاث، أولها: أبناء الجالية القدامى ممن تعاقبت أجيال أربعة منهم داخل مصر منذ قدموا إليها خلال العصر الملكي كجزء من قوات الهجانة وحرس الحدود. ويستقر هؤلاء في منطقة الجبل الأصفر وضاحية عين شمس (شرق القاهرة) وفق الأمين العام للجالية السودانية في مصر إبراهيم عز الدين، وتتجاوز أعدادهم 40 ألف أسرة، ولهم حق الإقامة الدائمة، علماً أن الجالية السودانية تتمتع بامتيازات عدة، منها معاملة أبنائها كالمصري في مراحل التعليم الأساسي، فيما يدفعون 10 في المئة فقط من مستحقات الطالب الأجنبي في التعليم الجامعي. وتضم الفئة الثانية الوافدين عقب حادث محاولة اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا عام 1995، إذ طرأت تغيرات على موقف القاهرة الرسمي آنذاك تجاه السودانيين، وباتوا في حاجة إلى تجديد الإقامة بصورة سنوية، نتيجة اتهام نظام مبارك نظيره السوداني بتدبير محاولة الاغتيال. ويتمركز جزء من أبناء تلك الجالية في ضواحٍ شعبية مثل بولاق وفيصل (جنوب القاهرة) إضافة إلى محافظات أسوان والسويس وبورسعيد، وتضم كذلك تلك الفئة الوافدين بغرض العمل، وهؤلاء يتمركزون غالباً في المناطق الصناعية مثل مدينتي العاشر من رمضان و6 أكتوبر. أما الفئة الثالثة فتضم اللاجئين السياسيين، ويقدر عددهم وفق إحصاء لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر34.930 سودانياً، ويأتون في المرتبة الثانية بعد اللاجئين السوريين. وتستقر غالبيتهم في الحي العاشر في مدينة نصر. ويلفت الأمين العام للجالية السودانية في مصر إلى أن بعض أفراد تلك الفئة يزعمون وجود خلافات لهم مع الحكومة السودانية حتى تمنح لهم المفوضية حق اللجوء في مصر لحين تسفيرهم إلى إحدى الدول الأوروبية، بغرض الاستفادة من المنح الشهرية، وفرصة الهجرة من دون المخاطرة في رحلة غير شرعية. وأشار إلى آخرين يأتون إلى مصر للعمل في أعمال هامشية لادخار مبلغ يدفعونه إلي أحد المهربين لتسفيرهم الى إحدى الدول الأوروبية. وسجلت الجالية السودانية في مصر نسباً ملحوظة في معايشة حال من «الاغتراب الثنائي»، عبر سفر عائل الأسرة إلى إحدى دول الخليج مع استقرار بقية أفرادها في مصر، أو سفر أحد أبنائها للعمل قبل أن يعود ليستقر في مصر من جديد. أحد هؤلاء حسام بيرم وهو المنسق العام لائتلاف شباب السودان في مصر. يقول بيرم لـ «الحياة»: «في مصر لا يشعر اللاجئ السوداني بالاغتراب، ما يدفعهم إلى خوض تجربة أخرى بالسفر بحثاً عن مصدر رزق». ويضيف: «غالبية عائلتي مستقرة في مصر في منطقة عين شمس، وآخرون في محافظة الجيزة، حتى أنني خلال الأعياد عند ترددي على شارع واحد يتوجب عليّ زيارة 20 منزلاً تقريباً كلها لأقاربنا». ويشير إلى ما يتميز به الشعب السوداني من متانة العلاقات الأسرية. وبالفعل ضربت الجالية السودانية مثالاً مميزاً في «التكافل المجتمعي» عبر تأسيس جمعيات عدة لأبناء الجالية في أرجاء مصر اتحدوا في ما بعد تحت لواء «المجلس الأعلى للجالية السودانية». وتقوم الجمعيات على نظام الاشتراكات الشهرية بمتوسط 30 إلى 50 جنيهاً شهرياً (ما يعادل دولارين ونصف الدولار) وتتولى رعاية حاجات الأسر الأقل دخلاً والوافدين الجدد. ومن اللافت حرص أبناء الجالية على إحياء كل المناسبات، بما في ذلك الهامشية، مثل احتفالهم بعيد الأب، على رغم أن المناسبة ذاتها لا تلقى صدى في السودان. ويعلق عز الدين «نلتمس المناسبات حتى نجتمع». وحول التعامل الرسمي الآني مع الجالية في ظل بعض التوترات السياسية من حين إلى آخر بفعل ملف حلايب وشلاتين، يقول بيرم: «نحن جزء من النسيج المصري ولا نواجه أي تمييز أو سوء معاملة على الصعيدين الرسمي والشعبي، بخاصة مع التزامنا الحفاظ اتباع القوانين. عادة ما يشارك في احتفالاتنا بالأعياد السودانية مسؤولون، أما على المستوى الشعبي فالأنساب متداخلة». ويوضح أن «غالبية السودانيين المقيمين في مصر تزوجوا من مصريات، أنا واحد منهم، حتى أن أجيالاً من الشباب والأطفال الآن يحملون الجنسيتين السودانية والمصرية بأعداد ليست بالقليلة، ونأمل بأن يلعب هؤلاء دوراً في امتصاص أي توترات بين الدولتين الشقيقتين، ويذكّرون بوحدة وادي النيل».
مشاركة :