الموسيقار سالم عبدالكريم: أسعى إلى المساهمة في تغيير ثقافة المستمع العربي بقلم: سارة محمد

  • 11/12/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الموسيقار سالم عبدالكريم: أسعى إلى المساهمة في تغيير ثقافة المستمع العربيقبل أيام قليلة كرمت إدارة مهرجان الموسيقى العربية في دورتها الـ26 بالقاهرة الموسيقار العراقي سالم عبدالكريم الذي أكد أن هذا التكريم يحمل لديه خصوصية متميزة كونه تأثر بفناني مصر ومثقفيها الكبار مثل محمد عبدالوهاب ونجيب محفوظ ويوسف وهبي. وقال الموسيقار الذي يزيد عدد مؤلفاته الموسيقية على 250 مؤلفًا إنه يشعر بسعادة كبيرة كما لو كان كُرّم في بلده الذي غادره منذ 19 عامًا، منوهًا إلى أن مصر لديه مثل العراق من الناحية الثقافية والتاريخية.العرب سارة محمد [نُشر في 2017/11/12، العدد: 10810، ص(13)]الموسيقى العربية قامت على العود (تصوير: محمد حسنين) أكد سالم عبدالكريم في حوار أجرته معه “العرب” بالقاهرة أنه يسعى إلى المساهمة في تغيير ثقافة المستمع العربي، إذ لا يوجد شعب لا تكون الموسيقى عنده كالدم الذي يسري بجسده، لكن المشكلة تكمن في العجز عن التعريف بالموسيقى، وهنا يأتي دور أجهزة الإعلام. وتساءل: هل يمكن أن نحضر مستمعًا ونقوم بعرض موسيقى لبيتهوفن أمامه دون أن يعرف عنه شيئًا؟ لا بد أن يتناسب ما يعرض على الجمهور مع مستوى ثقافته وفكرته، ومع الأسف كل ما يُكتب عن الموسيقيين الكبار يدور في فلك حياتهم الشخصية وزيجاتهم دون التعرض لتجاربهم الموسيقية. وتحدث الموسيقار العراقي، صاحب أشهر أوركسترا عالمية “ساكو”، والتي تجمع العديد من العازفين ومحبي الموسيقى من مختلف أنحاء العالم (132عازفًا)، فأشار إلى أن أجهزة الإعلام المسؤول الأول عن حالة التسطيح الموسيقي التي تسيطر على الوطن العربي، والتي انحصرت فقط في الاهتمام بالأحداث الخاصة والحكايات اليومية في حياة الموسيقيين على حساب التعريف بالموسيقى باعتبارها علمًا جادًا يقوم على أسس صحيحة لا بد من التعريف بها. وقال عبدالكريم لـ “العرب” إنه رغم الضغوط النفسية والمالية الكبيرة التي تعيشها المجتمعات العربية إلا أن الجمهور لا يزال حريصًا على حضور “الكونسيرت” والاستماع للموسيقى، وهو يؤمن بأن واحدة من أهم المشاكل بمجتمعاتنا العربية كثرة المُنظّرين وقلّة العاملين، وأنه لا بد أن نسأل: هل واكبت الموسيقى الحياة اليومية لدينا باستثناء الأفراح؟ ويدلل على ذلك بأن برامج المواهب الغنائية يقدمها المشاهير دون وعي أو ثقافة. الرياضيات هي البداية المنطق هو كلمة السر في مشوار الموسيقار سالم عبدالكريم، الذي ظل يبحث منذ طفولته عن أسباب الأشياء التي تحتاج إلى تفسير، ولأن علم الرياضيات يتطلب الوصول لنتائج واستنتاجات، والموسيقى نتاج مشاعر وأحاسيس خاصة ممزوجة بعملية حسابية تعتمد في قوامها على الأرقام، فقد اختار عبدالكريم أن يجمع بين لغة العقل والروح بدراسة الرياضيات والموسيقى معًا، وأن يجعل لكل منهما سحرًا خاصًا يضيفه على الآخر. يُعرّف عبدالكريم الموسيقى بأنها “رياضيات بمشاعر” والرياضيات بأنها “موسيقى بدون مشاعر”، ويؤكد أن بينهما رابطا علميا وفكريا وأنه منذ الصغر وعنده فضول للمعرفة والتجربة. وهنا روى في حواره مع “العرب” أسباب الجمع بين هذين العلمين الرياضيات والموسيقى، مؤكدا أن الرابط المشترك بينهما يعود إلى عهد قديم. الفارابي وابن سينا هذان الرمزان الخالدان في الثقافة العربية كانت العلوم تصنف لديهم إلى أربعة أقسام: الطب والفلك والرياضيات والموسيقى، ويضرب مثلًا بـ”فيثاغوراس″ الذي كان يقول أستطيع أن أفسر الكون برقم ونغم، ما يجعل الربط بين العلمين الرياضيات والموسيقى تاريخي منذ القدم ولا بد أن تفهم المجتمعات حقيقة ذلك. ورغم أن مسألة الجمع بين الرياضة والموسيقى تبدو لدى عبدالكريم عملية سلسلة يصبّ كل منهما في جعبة الآخر، لكن يبقى طريق الرحلة الذي خاضه الموسيقار محمّلًا بكثير من المصاعب والأوجاع وخاض فيه حربًا شرسة مع ذاته إلى أن أصبح واحدًا من أهم أبناء القرن العشرين الذي أحدثوا تأثيرًا موسيقيًا وقدم تجارب هامة في هذا العلم. وشرح صاحب براءات الاختراع الثلاث في مجالات استخدام الموسيقى جزءًا من تفاصيل الرحلة فقال “كان يومي يبدأ في السابعة صباحًا وحتى الرابعة عصرًا، أقوم خلاله بدراسة الرياضيات، ثم أبدأ دراستي للموسيقى من الخامسة إلى العاشرة والنصف مساءً، وبين هاتين الفترتين (45 دقيقة) كان لا بد أن أسترخي وأجمع معلومات عن دراستي، خصوصًا وأن الرياضيات جميعها تقوم على أبحاث، ثم كنت بعد انتهاء يومي أعود إلى المنزل فأحاول اختلاس بعض الوقت للتدريب على العزف ثم أذاكر من أجل الامتحانات صباح اليوم التالي”.أجهزة الإعلام المسؤول الأول عن حالة التسطيح الموسيقي التي نعاني منها في ثقافتنا ونظرًا إلى ضيق الوقت، فقد كان يحسب عدد محطات الحافلة وهو ذاهب إلى الدراسة، والتي كان عددها 13 محطة، فيقوم بالتدريب على تمرين العزف بذاكرته، لأن العزف هو بالأساس عملية تعتمد على المخ وتترجمها الأصابع، ومثلًا في “الكونسيرت” الأخيرة لي كان لا بد أن أحفظ في ذاكرتي ما بين 400 إلى 500 صفحة لكي تخرج هذه المقطوعات. العود صديقي علاقته بالعود هي صداقة تمتد لأربعين عامًا حتى أصبح العود وكأنه جزء من تكوين جسده لا ينفصل عنه، فالعود بالنسبة إليه “أكون أو لا أكون”، وهنا أشار خلال الحوار إلى أن العرب مذنبون في حق العود حتى أنه يتساءل في بعض الأحيان هل عاقب الله العود بجعله في أيدي البلاد العربية؟ وأسس عبدالكريم مشروعًا عالميًا يحمل اسم “غلوبال عود” لنشر ثقافته عالميًا، وعن تفاصيل المشروع أوضح “في البداية أنا أرفض إطلاق اسم ‘آلة’ على العود، كما أرفض عبارات مثل ‘يضرب على العود’، للخصوصية التي يتمتع بها عن غيره من الآلات الموسيقية، فالعود يحتضنه العازف ويضمه إلى جسده فيصبحان معًا جسدًا واحدًا، والرنين الذي يخرج من الخشب يسري بجسد العازف ما يجعلهما ملتحميْن معًا، على خلاف الآلات الأخرى التي يكون بينها وبين العازف مسافة بقدر ما”. وأضاف “أنا كنت حريصًا على أن أتعلم الآلات الأخرى كالبيانو والجيتار لكي أستطيع أن أحدث تطويرًا بالعود، وأرى أن ذلك كان قرارًا صحيحًا، وكان هدفي جلب مادة كتبت خصيصًا لهذه الآلات ثم إعادة توظيفها على العود، وهو ما جعلني أؤسس لمشروع “جلوبال عود” من أجل نشر العود بثقافة عالمية، فمثلاً أنا أذهب إلى الفلكلور الروسي وآخذ منه أشهر أعماله ثم أعيد توزيعها مع الأوركسترا بشكل يحترم دخول العود به فلا يقدمه كمجرد ‘ديكور’ على المسرح، الأمر الذي مثّل حالة انبهار لدى المجتمعات الغربية”. ولماذا العرب مذنبون في حق العود؟ تساؤل أجاب عنه الموسيقار فأكد أن العود هو الأساس القويم الذي قامت عليه موسيقانا العربية لكننا أهملناه ولم نعطه حقه، والدليل أن تجربة الجيتار الأسباني على سبيل الحصر باتت تحوز على الاهتمام وتضاعف ثمنه إلى آلاف الدولارات على عكس العود. وحتى عندما نعود إلى الماضي كنا نرى تجاهل احترام العود، فمثلاً في حفلات أم كلثوم كنّا نرى القصبجي عازف العود المصري الشهير يجلس وراءها وكأنه ديكور لا يظهر صوته، بينما بالمقابل نرى البيانو في أوروبا في مرتبة أعلى من الأهمية، وإذا أردنا أن نعزف مؤلفات بيتهوفن على البيانو سوف نحتاج إلى أسبوع على الأقل، بينما لا يوجد تراث كثير من المؤلفات الخاصة بالعود والعرب لم يقوموا إلا باستخدام “أفعل” التفضيل بإدخال كلمات مثل أفضل عوّاد وما شابه.رغم الضغوط النفسية والمالية الكبيرة التي تعيشها المجتمعات العربية إلا أن الجمهور لا يزال حريصًا على حضور “الكونسيرت” والاستماع للموسيقى في رأيه أن العراق أكثر الدول العربية ارتباطًا بالعود، ويشبهه بكونه مثل “المانجو” المزروعة في كل مكان، وهنا شرح قائد ومؤسس العديد من الأوركسترات الموسيقية، مثل أوركسترا الرشيد وأوركسترا الموسيقى والأداء الحديث، طبيعة الأمر فيقول “إن ذاك يعود إلى طبيعة تاريخ وشخصية الإنسان العراقي التي تقسو في بعض الأحيان ثم تبدو رقتها في أحيان أخرى للدرجة التي تدمع فيها عيناه”. وتابع “في بغداد التي ولدت فيها هناك كثير من الأشياء المتضاربة وكان العود واحدًا من الوسائل التعبيرية، وكان لدينا مطرب شهير هو محمد القبانجي كان يقول دائمًا إنه مؤد للمقام العراقي، والمحزن أنه مع كل هذا فإن ثقافة الاهتمام بالعود لم ترجع حتى الآن”. حالة العشق التي جمعت بين سالم عبدالكريم عميد معهد الدراسات النغمية في وزارة الثقافة والإعلام العراقية سابقا وبين الموسيقى دفعته إلى إجراء العديد من التجارب الموسيقية الفريدة التي تؤكد أن “الموسيقى غذاء للروح”، من بينها عندما صاغ موسيقى لطبيب أسنان هو الدكتور مدحت محمد صالح لتساعده هو والمريض على إجراء أصعب العمليات الجراحية التي يقوم بها، والتي تجعل المريض لا يشعر بالألم ولا يحتاج الطبيب إلا إلى استخدام 25 بالمئة فقط من المادة المخدرة خلال الجراحة. في تجربة أخرى له بالأردن سأله بائع الورد عن سر اقتنائه باقة من الزهور كل 25 يومًا فقال له إنه اكتشف أن الورد الموجود بالمكان الذي يعزف فيه يعيش عمرًا أطول. وليس هذا فقط، بل إن حالة العشق الممتدة بين عبدالكريم والعود دفعته لإجراء تجارب لتغيير بعض أوضاع الأوتار من أجل الحصول على نغمات مختلفة، وهو الأمر الذي جعله يتبنى مشروعًا لصناعة الأعواد أنفق فيه الكثير من الأموال على مدار 25 عامًا جرّب فيها ما يقرب من 627 عودًا. وخلال تكريم عبدالكريم في مصر تم عزف “كونسيرت” من أعماله، وقد مزجت هذه التجربة الفنية التي قدمها بين الحكي والموسيقى. الخائف لا يسمع واعترف بأن الموسيقى العراقية تأثرت بالأحداث السياسية، فكيف يمكن لشخص يشعر بالخوف أن يستمع إلى أم كلثوم فيستمتع بها؟ إن الفن بقدر بساطته فهو معقّد أيضًا وهناك بالفعل تأثير حدث، ومن المؤلم أن نتساءل: أين إنتاج بلد عريق كالعراق في الموسيقى هذه الأيام؟ “وبالتأكيد الدولة تتحمل جزءًا من هذا الإخفاق بالإضافة إلى أجهزة الإعلام ومناهج التدريس”. وشدد على أن حالة التسطيح الموجودة بمجتمعاتنا العربية مقصودة ومتعمدة بالفعل، ويتذكر كلام السياسي الأميركي الشهير هنري كيسنجر عام 1973 بعد قطع الدول العربية البترول عن الولايات المتحدة عندما أكد أن الحرب من الآن فصاعدًا يجب أن تكون بين العرب بعضهم البعض. وقال “إن احترامنا لآلاتنا الشرقية يأتي في مرتبة متأخرة في مقابل اهتمامنا بنظيرتها الغربية”، أما بالنسبة إليه هو فإن الجذور العراقية بقيت معه في رحلته الطويلة مع الموسيقى، متذكرًا الفلكلور العراقي، وصوت والدته في الغناء له والمتأثرة بترنيمة المهد التي تحمل قدرًا كبيرًا من الحزن والدراما، وكذلك صوت المؤذن المميز بتنغيمة معينة، وأيضًا صوت البائعين بالأسواق.. وغيرها. وبالمقارنة بين تجارب الغرب واهتمامهم بالموسيقى في مقابل المجتمعات العربية، أشار عبدالكريم إلى أن هذه المقارنة لا تصحّ لعدة أسباب، بعكس الشعوب الأخرى فهي لديهم لها قدسيتها التي تجعلها جزءًا من عبادتهم داخل الكنيسة، وضرب مثلًا بتقديمه “كونسيرت” بإحدى الكنائس بألمانيا، “مع أن المتأمل في ثقافتنا الإسلامية سيرى أن قراءة القرآن والتواشيح بها لحن وتنغيم بالأساس”، وأكّد أن القصور في مناهجنا الدراسية والتقصير في تدريس الموسيقى بالمدارس يتحملان جزءًا من المسؤولية أيضًا. كاتبة من مصر

مشاركة :