معرض تونس للكتاب يسعى لتكريس ثقافة التنويرتتواصل فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب في دورته الثالثة والثلاثين بالضاحية الشمالية للعاصمة التونسية إلى غاية الأحد الثاني من أبريل القادم، حيث تشهد هذه الدورة علاوة على استضافة لبنان كضيف شرف، عددا من الأنشطة الثقافية الموجهة إلى مختلف الشرائح. العرب محمد ناصر المولهي [نُشر في 2017/03/30، العدد: 10587، ص(14)]الكتب طريق إلى ثقافة الأصالة والمعاصرة كان شعار معرض تونس الدولي للكتاب هذا العام “نقرأ لنعيش مرتين”، في سعي واضح من إدارة المعرض، الذي تتواصل فعالياته إلى الأحد، للتأكيد على أن هذه التظاهرة لا تقتصر على جيل بعينه ولا على زمن معيّن، بل هي تأسيس للمستقبل وثقافة الحياة المتواصلة. كما حاول المعرض هذا العام الارتباط أكثر بالعمق الثقافي التاريخي العريق لتونس بداية من لوحة شعار المعرض الفسيفسائية، وصولا إلى وضع شجرة زيتون في مدخل قاعة العرض الأولى. مشاركات مركزة دورة هذا العام من المعرض، بعد ما يناهز الأسبوع على افتتاحها في الرابع والعشرين من مارس الجاري، تميزت بجمالية أجنحة عرض الكتب، وخاصة جناح وزارة الثقافة التونسية، إضافة إلى تقلص الكتب الدينية التي لا تخضع لمقاييس العرض، هذا علاوة على التنظيم الجيد تجنبا للفوضى خاصة في وقت الذروة أيام العطل. دور النشر المشاركة أخذت مساحة أكبر في ظل تقلص أعداد دور النشر المشاركة، ويعود ذلك إلى تزامن تاريخ معرض تونس مع معارض أخرى، لكن السبب الأساسي هو اعتماد لجنة تنظيم المعرض على خفض تكاليفه، وهو ما بدا جليا في خفض عدد الفعاليات الثقافية وتقليص عدد الضيوف من الكتاب. لذا تقلصت مساحة العرض من ثلاث قاعات إلى قاعتين إن لم نقل قاعة ونصف القاعة. الملاحظة التي يرددها الجميع من ناشرين وزوار للمعرض، هي غلاء الكتب الذي بلغ حده الأقصى هذه السنة، ويعيد الناشرون ذلك إلى انخفاض قيمة الدينار التونسي أمام الدولار، علاوة على تكاليف الشحن، رغم خفض هيئة المعرض لأسعار إيجار الأجنحة.الملاحظة التي يرددها الجميع من ناشرين وزوار للمعرض، هي غلاء أسعار الكتب الذي بلغ حده الأقصى هذه السنة الملاحظة الأخرى أيضا هي قلة العناوين الجديدة المعروضة، وطغاء الكتب المترجمة وخاصة من الروايات والكتب الفكرية وشبه غياب للكتب الشعرية، في تماش مع ما تطلبه السوق التونسية. لكن هذا لا ينفي أن هناك دور نشر جديدة قدمت عناوين مختلفة، نورد على سبيل الذكر دار المتوسط أو دار مسكلياني ودار نينوى ودار المدى ودار التنوير، في ظل تراجع دور كبرى كانت تستقطب اهتمام زوار المعرض سابقا مثل دار الجمل أو دار الساقي ودار الحوار. إضافة إلى ذلك يمكن أن نلاحظ تقلصا كبيرا في عرض كتب الأطفال، وهو ما لا يتماشى مع ما تطرحه جل المعارض من تأسيس للمستقبل من خلال أجيال قارئة، رغم أن هذا قد يعود إلى الانتقائية التي تنتهجها إدارة المعرض في الكتب التي تقدم للأطفال. في المجمل استقطبت الكتب المقدمة -رغم تراجع تنوعها- زوارا من مختلف الشرائح، لكن الإقبال على المعرض تراجع مقارنة بما كان عليه، وهو ما تداركه بالرحلات المدرسية التي زارته من مختلف مناطق الجمهورية. فأغلب رواد المعرض هم من الشباب التلاميذ والطلبة، ولكن المعرض لم يتزامن هذا العام مع تاريخ العطلة المدرسية الذي غيرته وزارة التربية التونسية. ولا ننكر الدور الكبير للأزمة الاقتصادية التي تعانيها تونس والمواطن التونسي، وهو ما انعكس على الإقبال على شراء الكتب. فعاليات وأنشطة إضافة إلى عرض الكتب، يقدم معرض تونس للكتاب أنشطة ثقافية متنوعة، تساهم في ربط علاقات بين الكتّاب والجمهور، من خلال جلسات شعرية أو قصصية، إضافة إلى عدد من الندوات التي تناقش حال الأدب أو الفكر مثل ندوة “الكتاب التونسي راهنا: مشاكل النشر والتوزيع” و”تجديد الفكر الأفريقي المتحرر من الاستعمار”، لكن اللافت في ندوات هذه الدورة انفتاح الأدب والفكر على فنون أخرى كالسينما، فعلاوة على اقتراح المعرض لأول مرة في تاريخه عرض أفلام مستوحاة من أعمال روائية، قدم ندوة بعنوان “السينما والأدب”، وهذا تأكيد على تنافذ الفنون وتكاملها. كما اقترح المعرض أكثر من 60 نشاطا مخصصا للأطفال. وأرجعت لجنة المعرض تراجع عدد الفعاليات إلى محاولة تحقيق النجاعة من الأنشطة والفعاليات الثقافية المركّزة، لكن أغلب هذه الجلسات لم تستقطب الجمهور الذي كانت تطمح إلى استقطابه. في دورة سابقة اقترحت لجنة الإعداد للأنشطة الثقافية برئاسة الشاعر آدم فتحي مسرحا صغيرا وسط قاعة العرض تقام فيه الجلسات الشعرية وغيرها، وكانت بادرة جيدة كسرت الجدار بين الجمهور والأدباء، كما قدمت كتيّبا ضم تعريفا لكل ضيف مع صورة له، ويمكن لإدارة المعرض إحياء هذه البادرة أو تطويرها في دورات لاحقة.بادرة جوائز المعرض من المبادرات التي استقبلها أغلب الكتّاب التونسيين بالترحيب، داعين إلى الحفاظ عليها وإلى ترسيخ شفافيتها، حيث لاقت نتائجها هذا العام ترحيبا من مختلف الكتّاب قبل الافتتاح بأيام أعلنت إدارة المعرض لأول مرة عن القائمة القصيرة للأعمال المرشحة للجائزة، وتزامنا مع افتتاح المعرض هذا العام تم الإعلان عن النتائج النهائية للجوائز، في مختلف فروعها وهي جائزة البشير خرّيف للإبداع الأدبي في الرّواية والتي كانت من نصيب الروائي كمال الزغباني، وجائزة علي الدّوعاجي للإبداع الأدبيّ في الأقصوصة والتي فاز بها محمد الفطومي و جائزة أولاد أحمد للإبداع الأدبيّ في الشّعر وكانت من نصيب رضا العبيدي، أما جائزة الطّاهر الحدّاد في الدراسات الإنسانيّة والأدبيّة فقد فاز بها عياض بن عاشور، فيما آلت جائزة الصّادق مازيغ في التّرجمة إلى العربيّة مناصفة إلى كل من أميرة غنيم والصادق بن مهنّي. وحظيت دار الجنوب بجائزة أفضل ناشر. وبادرة جوائز المعرض من المبادرات التي استقبلها أغلب الكتّاب التونسيين بالترحيب، داعين إلى الحفاظ عليها وإلى ترسيخ شفافيتها، حيث لاقت نتائجها هذا العام ترحيبا من مختلف الكتّاب. كما كرم المعرض في دورته الأخيرة عددا من الأدباء والمفكرين التونسيين والعرب نذكر منهم الروائية التونسية جليلة حفصية والكاتبة الفلسطينية لينا بدر والباحث المغربي بنسالم حميش والناقد المصري جابر عصفور والروائي التونسي حسن نصر، إضافة إلى إقامة فعاليات تخص الاحتفاء بلبنان كضيف شرف، لكنها لم تكن في حجم بلد راسخ القيمة في عالم النشر والفكر والأدب. لكن رغم محاولة المعرض تقديم دورة أكثر تركيزا من الدورات السابقة خاصة مع هيئة تنظيم جديدة، فإن أغلب زوار المعرض والكتاب التونسيين يقرون بوجود نقائص في المعرض رغم محاولة القائمين عليه تجديد ثوبه ومضمونه، لذا ما يبقى منوطا بأيدي المنظمين والكتاب والناشرين التونسيين، محاولة إيجاد حلول لتجديد دماء المعرض ليكون مرآة عاكسة بحق لعمق الثقافة التونسية.
مشاركة :