هذه الأيام، وعلى وقع فضيحة كبيرة، عاد الطاهر وطار، حتى وهو ينام في قبره، ليشكل نقاشا حادا في الأوساط الثقافية الجزائرية.العرب أمين الزاوي [نُشر في 2017/11/12، العدد: 10810، ص(14)] الطاهر وطار يعود هذا الأسبوع.. هو صاحب “اللاز” واحدة من أجمل الروايات الجزائرية والعربية الكلاسيكية والتي تسجل في تاريخ النصوص الروائية العربية والمغاربية في القرن العشرين، إنه الطاهر وطار، روائي شغل الساحة الأدبية وحيدا لفترة طويلة، مثقف سجالي، مثير للشغب، قضى حياته المهنية مراقبا في الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني) وهو العضو في الحزب الشيوعي المعارض؟ فسّر لي ذلك؟ حين لا يكتب رواية، ويكون في حالة انحباس إبداعي، يحرك الطاهر وطار الصحافة الثقافية حول قضية يخلقها كي لا ينساه الناس. منذ أن غيب الموت الطاهر وطار في 12 أغسطس 2010 تبدو العاصمة وبالأساس الأوساط الثقافية في صمت غير طبيعي، سكتت الزوابع الإعلامية التي كثيرا ما كان الطاهر وطار محركها، على غرار مقولته المعروفة تعقيبا على اغتيال الروائي الطاهر جاووت الذي يكتب باللغة الفرنسية، على يد الإرهاب والتي قال فيها “موت الطاهر جاووت خسارة لأسرته ولفرنسا”. وهو التصريح الذي جلب عليه هجوما عنيفا ومتعددا سياسيا وثقافيا وأدبيا من قبل القوى الثقافية والسياسية الديمقراطية، حين قرر رشيد بوجدرة الكتابة بالعربية وهو الروائي المعروف بنصوصه بالفرنسية مثل “التطليق” و”الحلزون العنيد” و”ضربة شمس” وغيرها ثارت ثائرة الطاهر وطار، وقد شعر بمزاحمته في “حقل” الرواية الجزائرية بالعربية، كانت رواية “التفكك” وهي الأولى التي كتبها رشيد بوجدرة بالعربية منطلقا لبدء معركة فتحها وطار ضد غريمه الجديد الذي بات يزاحمه الإعلام والشهرة واللغة. ولم تهدأ الحرب بينهما إلا بتغييب أحدهما بالموت، والجميع يذكر أيضا مواقف الطاهر وطار من الانتخابات البرلمانية التي تم توقيفها العام 1992 والتي كانت على وشك أن توصل الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة وكيف أن جميع المثقفين الديمقراطيين انحازوا إلى جبهة الدفاع عن الجمهورية وبالتالي المناداة بتوقيف المسار الانتخابي إلا هو فقد وقف مع الإسلاميين، وهو ما جرّ عليه أيضا خصوما كثرا. كان الطاهر وطار ناشطا ثقافيا متميزا ومحوريا من خلال الجمعية الثقافية الجاحظية التي أسسها العام 1989 معية مجموعة من الكتاب باللغتين العربية والفرنسية من أمثال الشاعر يوسف سبتي والروائي الطاهر جاووت والقاص عمار بلحسن والناقد عثمان بيدي وغيرهم… تحت قيادة الطاهر وطار كانت الجاحظية تشتغل ببرنامج ثقافي جاد وقار ومتنوع بين الأدب والفكر والثقافة وكانت تصدر مجلتين أدبيتين هما “التبيين” و”القصيد”، كما أنها أسست لمطبعة صغيرة تولت إصدار بعض الأعمال الأدبية في طبعات بسيطة وشعبية لأسماء شابة في الرواية والقصة القصيرة والمجاميع الشعرية، كما أنها أنشأت جائزة مغاربية للشعر باسم الشاعر الجزائري الكبير مفدي زكريا، وقد تحولت جائزة مفدي زكريا في السنوات الأخيرة إلى أفق انتظار بالنسبة إلى جميع الشعراء في بلدان المغرب الكبير. هذه الأيام، وعلى وقع فضيحة كبيرة، عاد الطاهر وطار، حتى وهو ينام في قبره، ليشكل نقاشا حادا في الأوساط الثقافية الجزائرية. بعد أقل من سبع سنوات على رحيله، كل إرث الطاهر وطار الثقافي انهار، ماتت جمعية الجاحظية فلم تعد تقيم أنشطة ثقافية وازنة في المشهد الثقافي المحلي أو العربي، لقد أصبحت الجمعية ومقرها أطلالا بعد عين، غادرها الكتاب والمثقفون والإعلاميون، وانتهت تلك التجمعات للمثقفين على رصيف شارع رضا حوحو حيث مقر الجاحظية، اختفت الجاحظية نهائيا من المشهد الثقافي، لا خبر يذكر عنها في الصحف أو على شاشات التلفزيون، وتوقفت منشوراتها واختفت نهائيا مجلتا التبيين والقصيد، وماتت جائزة مفدي زكريا للشعر. لكن الأفدح من كل هذا الموت الثقافي هو إقدام أعضاء مكتب الجمعية على بيع جزء من مقر الجمعية الجاحظية، وهو النادي الذي كان عبارة عن فضاء مكمل لبقية مرافق الجمعية، فيه يجلس الكتاب والزوار لاحتساء فنجان قهوة أو كأس شاي، وقد برر رئيس الجمعية هذا البيع بالبحث عن مال لترميم بقية المقر الذي بدا هو الآخر مهدد بالخراب، فبعد خراب الفعل الثقافي يجيء خراب البنيان والإنسان. حين يباع جزء من مقر الجاحظية فتلك خيانة للأديب الطاهر وطار، وتلك خيانة للثقافة الجزائرية وللمجتمع المدني الثقافي، لأن أملاك الجمعية هي في نهاية المطاف أملاك المثقفين والأدباء، لأنها تنتمي إلى المجتمع المدني، لنتفق بأن الجمعية بحاجة إلى أموال لترميم البناية، أما كان لرئيس الجمعية أن يطلب من والي ولاية العاصمة وهي التي رصدت أموالا كثيرة وميزانية خاصة لترميم جميع العمارات في المدينة، وأنا متأكد من أن الوالي كان سيكون جوابه إيجابيا لما أعرفه فيه وعنه من تعاطف مع الشأن الثقافي، أو أما كان للمشرفين على جمعية الجاحظية أن يرفعوا نداء إلى المثقفين لتبرعات خاصة وتشكيل صندوق خاص لترميم المقر بدلا من بيع نادي الجمعية، وأنا متأكد أن الكثيرين كانوا سيستجيبون لمثل هذا النداء لإنقاذ الجاحظية من الموت. قد تم بيع الطاهر وطار ليس في المزاد العلني ولكن بمؤامرة ليلية سرية. روائي وأكاديمي من الجزائرأمين الزاوي
مشاركة :