الجزائر تغرق في "البسملة" بقلم: أمين الزاوي

  • 9/19/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

أتعجب لبلاد يدافع فيها جامعيون، فلاسفة ودكاترة أدب وأطباء وعلماء اجتماع وحقوقيون، عن البسملة ويسكتون عن التخلف، يسكتون عن العنف ضد المرأة، والعنف في المدرسة.العرب أمين الزاوي [نُشر في 2017/09/19، العدد: 10756، ص(14)] هذه الأيام، ومع دخول العام الدراسي الجديد، من المواطن الجزائري البسيط ساذج الإيمان إلى الوزير الأول، مرورا بجمعية العلماء المسلمين والجامعة والصحافة الصفراء، الكل يغرق في”البسملة”؟ أما الحكاية وما فيها، فهي أن وزارة التربية الوطنية أسقطت “البسملة” أي “باسم الله الرحمن الرحيم” من الصفحة الأولى لبعض الكتب المدرسية، وأمام هذا حاول البعض أن يشعرنا وكأنما سقط الاستقلال من الجزائر، كأنما الاستعمار نزل ثانية بجيوشه على ساحل سيدي فرج ليلتهم الجزائر. ولأن وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط محسوبة على التيار الليبرالي التنويري فقد وجد الإسلاميون في الحكاية فرصة مناسبة للانقضاض على كل ما تبقى من عقل في الجزائر، الانقضاض على كل اجتهاد، الانقضاض على كل بؤرة تنوير، وهي ليست المرة الأولى التي يفتح فيها الإسلاميون أبواب جحيمهم على هذه الوزيرة. أمام استبعاد “البسملة” قامت القيامة، وبقيام “القيامة” في الجزائر يتأكد ثانية بأن الفكر الداعشي لا يزال يجد تربته الخصبة في المدرسة، وأن الحواجز الأكثر تشددا ضد كل تطوّر وضد كل تنوير في الجزائر قائمة في المدرسة التي فيها نشأ وترعرع الفكر الإخواني منذ الاستقلال وهو مستمر وبقوة مستثمرا في المدرسة وفي الجيل الجديد. القيامة قائمة في مقاهي المدن الجزائرية وفي الحمّامات الذكورية والنسائية وفي أسواق الجملة التي يتهرب أصحابها من دفع الضرائب، وفي الإعلام الأصفر وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، الكل يبكي ويتباكى وقد أخرج البعض سيوف “معركة الفتح الإسلامي” الجديدة، وكأن الجزائر بغياب “البسملة” عن بعض الكتب المدرسية التي يلقى بها في الأرض مع نهاية كل سنة مدرسية أضحت مهددة في دينها وفي لغتها وفي عرضها، وأمام هذا “الحادث الخطير” ركب البعض صهوات أحصنتهم الوهمية ودخلوا في حرب دنكيشوطية لمحاربة الإلحاد الهاجم على الجزائر من بوابة “الكتب المدرسية” التي سقطت منها “البسملة”! دخلوا في حرب لينسونا الحرب الحقيقية ضد التخلف والفقر والأمراض وغياب “المدنية” في مدننا التي أصبحت مكبات للأوساخ. منذ نصف قرن أو أكثر بقليل، وهو عمر استقلال الجزائر، والبسملة موجودة على رأس الكتب المدرسية جميعها أو بعضها من كتب الرياضيات إلى كتب الفيزياء إلى كتب الأدب وكتب التربية الإسلامية، ولكن وجود “البسملة” لم ينقذ المدرسة الجزائرية من تسونامي الرداءة والتقهقر. منذ نصف قرن ويزيد قليلا، لم يفتح جنود الفتح الإسلامي الجدد في الجزائر أفواههم طالبين إنقاذ المدرسة من الرداءة التي أتت عليها. أتعجب لـ”علماء” يدافعون عن البسملة بشراسة، يجتمعون وينددون ويعقدون ندوة صحافية ويوجهون رسالة إلى الوزير الأول، ولكنهم ينسون ما يعيشه المواطن الذي يبسمل ويحوقل آلاف المرات في اليوم من غياب “الحضارة” وانتشار الأوساخ وانتشار “الرقية” باسم الدين، والاعتداء الجنسي على الأطفال في المدارس القرآنية. يدافعون عن البسملة ولا يتساءلون عن المخدرات التي اكتسح استهلاكها تلاميذ المدارس من الابتدائي وحتى الثانوي، تلاميذ يحملون في محافظهم “عشرات البسملات” ويجملون بها كتبهم ودفاترهم. يدافع “العلماء” عن “البسملة” ولكنهم لا يتفوهون بكلمة حين “ترفع” “البسملة” نفسها على أفواه الجهاديين والداعشيين وهم يذبحون الجنود والعلماء والنساء والوطنيين وإخواننا من الديانات الأخرى. أتعجب لبلاد يدافع فيها جامعيون، فلاسفة ودكاترة أدب وأطباء وعلماء اجتماع وحقوقيون، عن “البسملة” ويسكتون عن التخلف، يسكتون عن العنف ضد المرأة، والعنف في المدرسة. أتعجب لعلماء يمتطون صهوات الاستنكار في معارك الوهم، ولكنهم لا يدافعون عن كرامة الإنسان التي أهدرت من خلال انهيار القدرة الشرائية وانتشار الفساد والمخدرات في أوساط الشباب. الأوطان لا تُبنى بالبسملة، لكنها تُبنى بالعمل واحترام المواطنة والصدق مع النفس ومع الآخر. غابت “البسملة” وكأن حرب الردة بدأت في الجزائر. أخيرا لا بد وللأبد أن نقرأ معركة “البسملة” بوصفها حدثا يؤشر إلى قرب معركة سياسية يريد من خلالها طابور الإخوان المسلمين في الجزائر استعراض قوتهم استعدادا للمرحلة السياسية القادمة، مرحلة ما بعد الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة. كاتب جزائري أمين الزاوي

مشاركة :