وجدنا بشاعة الإرهاب قبل أن نسمع عن جرائم الاستعمار

  • 11/12/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

طفولتي الحمقاء ليست كما يعتقد البعض أنها طفولة مرح ودلال ولهو وتسلية، طفولتي كانت متشبعة بمشاهد الخوف والرعب، تماماً كتلك التي يشاهدها الأطفال في كل بقاع الأرض خلف شاشات ألعابهم الصغيرة.. أسلحة لا تمت للمزاح بصلة ولا يمكن للألعاب أن تتشبه بها مهما كانت الأوجه المتطابقة، الألوان والأشكال لم تكن كافية لرسم واقع أفضل؛ فبشاعة الإرهاب وقّعت تغلغلها في أذهاننا قبل أن يحدثونا عن جرائم الاستعمار الفرنسي. باختصار، طفولتنا جميعاً مواليد التسعينيات اغتالتها بشاعة الإرهاب قبل أن تزرع الوطنية في ذاتها صور نضال وكفاح أبناء نوفمبر/تشرين الثاني 54! لم يحدثوني في طفولتي عن تضحيات الثوار قبيل وبعد ثورة نوفمبر/تشرين الثاني، ببساطة لأنني وجدت المَشاهد نفسها خلف بيتنا الصغير المتواري هناك خلف الشعاب على بُعد أمتار من أشجار البلوط المتكاثفة أكثر فأكثر كلما تقدمنا نحو الشمال الشرقي، حيث تشرق الشمس التي لم تشرق إلا مطلع الألفينيات، تاريخ بصمة الصلح بين الجبل والمدينة حسبما قيل لنا آنذاك؛ بل إنها لم تشرق بعد في كل زوايا تلك القرى المترامية بين الجبال منذ أن غابت شمس نوفمبر/تشرين الثاني 1954. صدقوني، إن تركن إلى نفسك في بيت خلف جدران المدينة بعيداً عن ضجيجها فعليك أن تعطي الجبل والشجر والبشر حقهم من الغضب والرعب والتعاون، لست ممن يقول الكلام دونما أي تحفظ؛ لهذا بعض المشاهد ستغيب عمداً، كلماتي ليست من وحي الخيال، لكنها لغرابتها تظهر في ثوب لا يمت إلى الواقع بصلة! كنا نعلم أن واقعهم آنذاك، واقع اكتنفته الرحلات السياحية نحو باريس ومارسيليا، في حين رسمت لنا يومياتنا واقعاً لا يختلف عن أيام الجزائريين خلف أسوار ريف يحتفظ المعمرون ومجموعة من الحركى بمفاتيحه الحديدية، في النهار أصوات فؤوس الفلاحين وفي الليل همس وكلمات متبعثرة لا ينطق بها الناس عفوياً؛ بل لكل كلمة موضع يحسب له ألف حساب. لم يحدثوني أنا وأقراني عن أمجاد ماضٍ ازدحمت سجلاته بتضحيات جمة في سبيل الله والوطن، لم يحدثوني حتى عن واقع تراه عيناي بكل وضوح؛ ترويع وتخويف وصد عن الحياة ينزاح نحو القتل والتنكيل بجثث الشعب في أكثر من مليون مرة! لم يحدثوني في رثاء الأموات والشهداء عن رصاص سطيف قالمة وخراطة؛ لأنني ممن عايش أمواس بن طلحة، الرايس وغيرهما، ولا ندري إلى غاية اليوم عن الفاعلين شيئاً، كما في أحداث متفرقة راح ضحيتها آلاف الأبرياء العزل، لم يحدثوني عن جهاد أهل القرى ودعمهم اللامشروط للمجاهدين، فقد رأيت دعمهم اليومي للإرهاب عنوةً وغصباً، فقد كانوا يأتون بين الفينة والأخرى يأخذون المؤونة اللازمة لعيشهم الرغد بين الجبال، أذكر أنهم كانوا يأخذون الطعام متى شاءوا، لكنهم يطردون البشر كلما اقتربوا من الجبل لأخذ الحطب الذي يستعينون به على نكد العيش وقساوة الحياة. مع كل هذا، فقد كانت الحياة بصخبها وضجيجها تبدو عادية جداً، في نظر يتامى رحم التهميش واللامبالاة، الحياة كانت مجرد وقفة عز لا ينال الأوغاد منها غير النصب والظمأ، وأنا أخط هذه الكلمات تراءت لي عن يميني وخلفي، وهناك أقصى الرصيف المحاذي للشارع، صور وقوائم بعض الأوباش من المنتخبين المحليين ممن ما زالوا يتغنون بسياسة الكذب والكذب على الشعب حدّ التصديق والتصفيق. الأنذال ذكروني أيضاً بزمن العشرية السوداء، حيث كانت المروحيات تلقي أوراق الانتخابات بالقرى النائية؛ خوفاً من كمائن الأوخاش من عصابات الجيا والميا، الأمر نفسه بالنسبة للمراسيم والمناشير التي تدعو إلى الصلح والجنح للسلم والعفو. أصدقكم أنني كنت أحب الاحتفاظ بها؛ لأن غريزة عشق ألوانها الخضراء والحمراء ملفوفة بالأبيض كانت أقوى من كل تفكير قد يقود نحو العدول عنها. لم أفكر في كتابة هذه التدوينة إلا ساعات قبل احتفال الجزائر بثورة الفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني، ليتني كتبت أصلاً؛ لأن الجراح التي لا تندمل علينا أن نخفيها بعيداً عن الأنظار، خلف الأدراج المغلقة والرفوف المنسية ودفوف الكتب القديمة. - ملاحظة.. هذه التدوينة تم نشرها على مدونات "الجزيرة". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :