ثلاثية سميح أوغلو.. سرد الحياة بالمقلوب

  • 11/14/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يقول غابرييل غارسيا ماركيز: "الحياة ليس ما نعيشه وإنما ما نتذكره وكيف نتذكره لنرويه!"، وتقول إيزابيل الليندي أيضاً غير بعيد عن ذلك أن السرد ما هو إلا إعادة ترتيب لأحداث الحياة الفوضوية، وغيرها من العبارات التي يمكن أن تشكّل مدخلاً لهذه القراءة، حيث أن جميع هذه العبارات تتفق وتؤكد على أهمية "الكيف" في العملية الفنية حتى يكاد يكون هذا "الكيف" هو المحك الفاصل الأبرز بين ما هو فن وما هو غير ذلك، فمهما بلغت أهمية المضمون والمحتوى إذا قيل أو روي بطريقة غير محكمة يتحول إلى نوع من الهذيان، لكنه في المقابل يبرز وتظهر قيمته إذا ما توفر الفنان الذي يجيد نقله بطريقة معبرة. هكذا هي الأمور بشكلها الأكثر تبسيطاً، لا قواعد فيها ولا أطر ولا التزامات مسبقة، فكلٌ وما يناسبه أو ما يراه مناسباً. حين تريد أن تقول إن كل ما يحدث لك في حياتك هو نتيجة لما اكتسبته من طفولتك وتأثيراتها عليك، هنا عليك أن تبتكر الطريقة المناسبة لقول ذلك، مهما كان الفن الذي تعمل من خلاله. هذا الأمر الذي برع فيه المخرج التركي سميح أوغلو في ثلاثيته السينمائية "بيض" 2007م و"حليب" 2008م و"عسل" 2010م، وهو يسرد فيها قصة بطله "يوسف" بالمقلوب، فيبدأ به رجلاً ثم يتدرج به بعد ذلك شاباً وأخيراً طفلاً. يتوقف بك ذهنك في الجزء الأول عند بعض المشاهد التي لا تدفع كثيراً بأحداث الفيلم ولا تؤثر كثيراً ولا تنقل معلومة مهمة، ثم تتساءل ما جدواها؟ ماذا لو لم يحدث هذا الحدث ما الذي سيتغير؟ وهكذا تكمل المتابعة وتمضي إلى الجزء الثاني والثالث فتكتشف أن تساؤل الجدوى هذا كان مقصوداً ومبرراً، وأن سرد حياة البطل بالمقلوب من الأحدث إلى الأقدم في مكانها واتخذت طريقتها ولباسها الأكثر تعبيراً عنها. فعرضت النتيجة لتجعلك تتساءل عن الأثر فتجده أخيراً في الطفولة، لكن لو سبق الأثر النتيجة في السرد لجاءت النتيجة طبيعية ومتسقة جداً وربما لن تتوقف عندها هذا التوقف الذي حدث عند قلب عملية السرد، ومن هنا تأتي مهارة وبراعة الفنان حين يسوقك سوقاً إلى الفكرة التي يريد فتبزغ لك جميلة وواضحة ومعبرة.

مشاركة :