عزيزي ابن المملكة.. لستَ أنت على عداء مع حزب اللّه أكثر ممّا أنا عليه، ولست على تماس مع الحزب أكثر ممّا أنا عليه، ولا تعاني أكثر مما أعانيه أنا من الحزب، ولم تدفع يوماً ما دفعته أنا في مواجهة هذا الحزب، ولست أكثر وطنية منّي، ولست أكثر عروبة منّي، ولست أكثر إسلاماً منّي، ولست أكثر انتماء لأهل السنّة والجماعة منّي؛ كي تسمح لنفسك أن تعطيني دروساً، أو أن تملي عليّ ما يجب فعله في وجه مشروع مذهبي عنصري إقصائي يتهدّدني أكثر مما يتهدّدك. عزيزي ابن المملكة وابن الخليج العربي.. نحن في لبنان لا نواجه غطرسة إيران؛ كي نستبدلها بعجرفة السعودية. عزيزي ابن المملكة.. نحن السنّة في لبنان واجهنا اسرائيل في شوارعنا، وأزقتنا، وحاراتنا، وأخرجناها من ديارنا، ودحرناها دحراً، في حين أنّك لم تطلق حتى الآن رصاصة واحدة عليها. عزيزي ابن المملكة.. نحن اللبنانيّين السنّة واجهنا النظام السوري عند دخوله إلى بلدنا، وعند خروجه منه، في حين أنّك لم تواجهه إلّا بالكلام من على كنبة مريحة، أو بالتهديد من وراء تلفاز. عزيزي ابن المملكة.. إسلامك المنفتح الذي أصبحت فجأة تبشّرنا به بين ليلة وضحاها، هو منهاجنا الذي لا نعرف غيره في الشام منذ مئات السنين. عزيزي ابن المملكة.. نحن عرب أقحاح، جذورنا ضاربة في التاريخ، نحن حفظة القرآن وحماة السنّة، ونعتزّ بامتدادنا من طنجة إلى دجاكارتا؛ ولكنّنا، يا عزيزي، لبنانيّو الهويّة والهوى والانتماء، ولا نأخذ أوامرنا من أحد من خارج لبنان. عزيزي ابن المملكة.. إذا كان غيرنا يشكّل قلب لبنان، وغيرهم صدره، فنحن سنّة لبنان نعتزّ بأنّنا عموده الفقري، الذي ينشلّ من دونه. عزيزي ابن المملكة.. لبنان بلد صغير، وطوائفه كثيرة، وصراعاته الداخلية مريرة، ولكننا نعرف كيف نواجه، وكيف نخاصم، وكيف نهادن، وكيف نسالم، وكيف نحلّ أمورنا بأنفسنا فيما بيننا. عزيزي ابن المملكة.. أنت أمام لبنان، وما أدراك ما لبنان، رمال متحرّكة ابتلعت أكبر الدول وأعتى القوى. عزيزي ابن المملكة.. أرجوك ألّا تخطئ بالعنوان، وألّا تعتقد - ولو لوهلة - أنّنا - نحن السنة في لبنان - نقبل أن نكون عبيداً لأحد، لا لك، ولا لفارس، ولا لأي دولة أخرى. عزيزي ابن المملكة.. أكتب إليك من موقع المعارض لسعد الحريري، وللتسوية التي وافق عليها منذ سنة، ومن موقع أشدّ المنتقدين لسياسة التنازلات المستمرّة التي انتهجها لإرضاء حزب اللّه وحلفائه. ولكن في الوقت نفسه، يا عزيزي، لا يمكنني أن أنسى - ولو للحظة - أنّه رئيس مجلس وزراء دولة سيدة مستقلة، عضو مؤسس في الأمم المتحدة وفي جامعة الدول العربية، وأنّ كرامته من كرامة هذه الدولة ومن كرامة شعبها، وأنه يتمتّع بشرعية دستورية وديمقراطية إثر فوزه بانتخابات نيابية- هذه الكلمة التي ما زالت، يا عزيزي، تجهل معناها الكثير من شعوب المنطقة، وتفضّل عليها كلمة المبايعة. عزيزي ابن المملكة.. أصارحك من موقع الممتعض من سياسات الحريري الأخيرة، ومن موقع الذين طالبوه مراراً بالاستقالة خلال هذه السنة، والذين فرحوا عندما أعلنها أخيراً بعد طول انتظار. ولكن، يا عزيزي، لا أستطيع أن أنسى - ولو لهنيهة - أنّه ابن الشهيد رفيق الحريري، حبيب المملكة، الذي قدّم دمه من أجل حرية وسيادة واستقلال لبنان. عزيزي ابن المملكة.. نحن في لبنان لا نتنكّر لمساعداتك السخية، ولن ننسى إطلاقاً وقوف المملكة إلى جانب بلدنا في أشدّ المحن. عزيزي ابن المملكة.. لك في قلوبنا - خصوصاً نحن سنّة لبنان - معزّة كبيرة، فنحن في لبنان لا غنى لنا عن المملكة، ونأمل أن تكون المملكة ما زالت على يقين أنّ لا غنى لها عنّا. ولكن يا عزيزي، قليلاً من التبصّر والحنكة، فالخصم لدود، شديد الذكاء، يتقن التنظيم والتخطيط والمكر والخداع، ولمواجهته لا تنفع سياسات التهوّر والتخبّط والارتجال. عزيزي ابن المملكة.. القليل من الحكمة والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى؛ لا تدفع يا عزيزي بلبنان إلى أحضان إيران أكثر ممّا هو عليه الآن، كما دفعت غيره من جيرانك منذ بضعة شهور. عزيزي ابن المملكة.. ابلع تعاليك، وتواضع قليلاً، واكبح عنجهيّة مسؤوليك ودبلوماسييك وصحفييك، عندما يطلقون العنان للتهديد والوعيد على الفضائيات، وفي الصحف، وعلى تويتر. عزيزي ابن المملكة.. تعال إلى كلمة سواء بيني وبينك، ولنلتزم بما نهانا عنه اللّه عزّ وجلّ: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (لقمان: 18(. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :