قليلا من التواضع بقلم: حبيب المباركي

  • 1/24/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

عين الاهتمام تنصبّ على المتواضعين الميالين إلى البساطة وما سهُل من الأمور، فيما المتعالون، الغارقون في أناهم التي لا حدود لها، سيلقون مصير أهوائهم الزائفة وغرائزهم المكبوتة. العربحبيب المباركي [نُشرفي2017/01/24، العدد: 10522، ص(21)] التواضع منهج في الحياة. وما أحوج الإنسانية اليوم إلى القليل من التواضع. حديث “الأنا” المتعالية يطالعك أينما وليت وجهك؛ في العمل، في المقهى، في السوق، في وسائل النقل، وحتى في الملاهي الليلية أحيانا. أنا فعلت.. أنا قدمت فلانا لعلان كي يتحصل على رخصة.. أنا من كان السبب في كذا.. لولا جهودي لما تحصّل على كذا، وغيرها من المرويات. يروى أن راهبا اقتحم على مولانا جلال الدين الرومي خلوته عندما كان يدرّس طلابا في قونية وجلس بين الطلاب وحدق مليّا فأبهره ما رآه من فصاحة على لسان الرجل، ومنهج في الحديث وثراء في اللغة، وآداب في التعامل، وسمت ومسلك.. فرأى العجب. تحامل الراهب على نفسه ولكنه لم يتمالكها، وسرعان ما أفلتت منه، فلم يستطع التحكم فيها، وقام إليه مسرعا لكي يقبّل يديه، فإذا بجلال الدين ينهض أسرع منه ويمسك بيدي الراهب ويقبلهما. لكنه لم يتمالك نفسه ليسقط أرضا ويشرع في تقبيل قدميه. يبكي الراهب وهو يقول لجلال الدين “والله إنك على دين الحق”. يقول سلطان ابن جلال الدين الرومي، أثناء عودته مع والده إلى بيتهما، إنه كان شديد التأثر لما وقع مع الراهب. وقال لي “ما بال هذا الراهب يريد أن يغلبني في خلق التواضع وديني في جوهره إن هو إلا دين تواضع”. عماد التواضع الدين. ديننا يحث على التحلي بهذا النوع من السلوك. “التواضع من شيم الكبار”، هكذا يقول المثل. أن تكون متواضعا، فهذا لا ينقص منك شيئا بل على العكس مما يعتقد الكثيرون ربما مغانمك تتوافر وحظوظك في المحبة والتقدير بين بني جلدتك ستزيد. يقال عن التواضع وتدبيرات العارفين بإتيان هذا السلوك “من يراك بعين التعالي، انظر له بعين التجاهل، ومن يراك بعين التواضع، انظر له بعين الاهتمام”. مفاد الكلام أن عين الاهتمام تنصبّ على المتواضعين الميالين إلى البساطة وما سهُل من الأمور، فيما المتعالون، الغارقون في “أناهم” التي لا حدود لها، سيلقون مصير أهوائهم الزائفة وغرائزهم المكبوتة. أحيانا يجذبك أشخاص بحسن سلوكهم ولطافتهم ورحابة صدورهم حتى في أبسط الأمور، إلى درجة أنه عند قضاء أمر ولو على عجلة منك (وثيقة إدارية، علاج وما إلى ذلك) تتمنى أن يطول اللقاء معهم ويتجدد، فيما العابسون المكشرون عن أنيابهم، الغارقون في أهواء غرائزهم، الفارون من جحيم المشكلات الأسرية الخانقة، على كثرتهم، يطالعونك أينما حللت، فتتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعك ولا جحيم هؤلاء. رسالة الأجداد لا يمحوها ماح. تظل تنبض دائما وفي كل لحظة بمخيلتنا “ما يكبر في الزبالة كان القرع”، أي أن القرع هو النبتة الوحيدة التي يشتد عودها وتنمو في العشوائيات وأماكن رمي القمامة والفضلات. قليلا من التواضع لتتجنبوا هذا الصنف من الأماكن. صحافي من تونس حبيب المباركي :: مقالات أخرى لـ حبيب المباركي قليلا من التواضع , 2017/01/24 حدثني عن العقلية في ذكرى رحيل ابن الأفريقي, 2017/01/06 الثورة التونسية.. ست سنوات من الانتكاسة فهل من أمل, 2016/12/20 متى تسقط القطبية الثنائية للكرة الذهبية العالمية, 2016/12/18 السادة المانحون.. امنحونا ولكن راقبونا, 2016/12/01 أرشيف الكاتب

مشاركة :