الجوع تحت الحصار أو تجويع المدنيين عمداً حتى الموت

  • 11/14/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كان البطل يهجم بشراهة على أي طعام يجده أمامه، حتى إذا كان هذا الطعام أقل فتاتٍ من بواقي الخبز أو ثمرة فاسدة. لم يكن أمام عازف البيانو البولندي فلاديسلاف شبيلمان إلا الاختيار بين القتل على أيدي أعدائه من الجنود، أو التضور جوعاً حتى الموت خلال الحرب العالمية الثانية، وقد شكلت هذه القصة الحبكة الروائية لفيلم "عازف البيانو" (The Pianist). مرت ستون عاماً منذ ذلك الحين، إلا أن الناس لا يزالون مجبرين على الاختيار بين الموت تحت وطأة القصف أو التضور جوعاً حتى الموت. علاوة على هذا، ليس هؤلاء مجرد حفنة من الأشخاص الذين يواجهون مرارة اتخاذ مثل هذا القرار، فثمة آلاف المدنيين الأبرياء في اليمن، وفي جنوب السودان، وفي سوريا هم في حاجة ماسة إلى الغذاء في المناطق التي يتخذونها ملجأً لهم هرباً من الصراعات. إلا أن الأفظع من هذا هو التبني الممنهج للتجويع باعتباره استراتيجية حرب. أصدرت الأمم المتحدة في واقع الأمر بياناً قالت فيه إن "القتل بالتجويع" يُستخدم باعتباره سلاحاً جديداً في الحرب السورية، وإن المدنيين في الغوطة الشرقية حُكم عليهم بالموت جوعاً، كما قال الأمير زيد بن رعد الحسين، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إن "تجويع المدنيين المتعمد حتى الموت" يُستخدم باعتباره تكتيكاً في الحرب الأهلية السورية، مشيراً إلى أن "حرمان السكان المدنيين" من الغذاء يشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ لذا فإن ما يحدث في الغوطة الشرقية هو جريمة بحتة. يقطن في الغوطة الشرقية، وهي ضاحية من ضواحي دمشق، ما يقرب من 400 ألف مواطن، إلا أن ما يلفت النظر هي الحقيقة التي تقول: إن هذه المنطقة كانت قبل الحرب مركزاً زراعياً رئيسياً للبلاد. ومع ذلك، خضعت هذه المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة إلى الحصار من قبل قوات الأسد منذ 2013، ونتيجة لهذا لا تكفي الإغاثات الإنسانية لتزويد المنطقة باحتياجاتها، فضلاً عن أن الأنفاق التي كانت تُستخدم حتى وقت قريب لتوصيل الغذاء إلى المدنيين أُغلقت بسبب العمليات العسكرية للنظام، وهو ما يصعّد من مستوى التجويع الذي تعاني منه الغوطة الشرقية، أُدركت فداحة الموقف عندما انتشرت في وسائل الإعلام العالمية الصور التي تُظهر الرضع وهم على وشك الموت جوعاً، والتي التقطها مراسل وكالة فرانس برس. يواجه 400 ألف شخص في الغوطة الشرقية -حيث توفي 206 أطفال و67 امرأة حسب بيان الشبكة السورية لحقوق الإنسان- سوء التغذية، كما أن خدمات الرعاية الصحية المستدامة شبه مستحيلة لهذا العدد من السكان. شكّل وصول شاحنات الإغاثة التي أرسلتها الأمم المتحدة مؤخراً تطوراً مبهجاً في الوضع الراهن، على الرغم من هذا، صارت حقيقة معروفة أن المشكلة لا يمكن تجاوزها عبر المساعدات وحدها، ويبدو أن سياسة التجويع الممنهجة في المنطقة لن تتغير حتى يُتخذ أي إجراء ضدها. اليمن بلد آخر يواجه خطر المجاعة بسبب الحرب الدائرة فيه، إذ إن ثلاثة ملايين من أصل سبعة ملايين شخص يعيشون في منطقة الحرب، هم من يستطيعون الحصول على الغذاء عن طريق المساعدات، فيما يحتاج 4.5 مليون شخص على الأقل إلى المساعدات الغذائية وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة. يدين يان إيغلاند، الأمين العام للمجلس النرويجي للاجئين، الموقف في اليمن ويصفه بـ"الفشل الكبير للدبلوماسية الدولية"، كما اعترف بصدمته الشديدة مما شاهده في المنطقة، يشير إيغلاند إلى أن الجفاف ليس بسبب ما يحدث في اليمن، بل إنها أزمة من صنع الإنسان بمعنى الكلمة. تصدّق ملاحظته على الحقيقة التي تقول إن الناس في اليمن أيضاً -مثلما هو الحال في الغوطة- يُحكم عليهم بالإعدام جوعاً، فقد أُغلق ميناء الحديدة في اليمن لفترة طويلة، وهو ما يستحيل معه توصيل المساعدات إلى المنطقة، ويواجه الأطفال الأصغر من خمس سنوات في اليمن لهذا السبب وحده خطر الموت بمعدل طفلٍ كل عشر دقائق. عودة إلى سوريا: تقع المنطقة التي تضم الغوطة الشرقية ضمن حدود مناطق وقف التصعيد التي اتفقت تركيا وإيران وروسيا على تأسيسها في سوريا. على الرغم من هذا، تستغرق عملية تأمين هذه المناطق وقتاً معتبراً، وهو ما يؤجل بدوره الحد من خسائر الأرواح، إلا أنه لا يزال من الممكن تطبيق حلول مؤقتة لهذه المناطق. لا شك أن الإجراءات التقنية ينبغي أن تحظى بأولوية كبرى، بيد أن ما سيضمن وجود حل نهائي في المنطقة هو تشكيل تحالف عقلاني بين بلاد المنطقة، ومن الضروري لتحقيق هذا الهدف أن تتخذ الأطراف المعنية قرارات على أرضية مشتركة، وأن يجعلوا تطبيقها أولوية لديهم، كما ينبغي تطبيق جميع الإجراءات الضرورية لوقف إراقة الدماء في المنطقة، فضلاً عن ضرورة اتخاذ إجراءات لدحر الإرهاب أيضاً، إضافة إلى ضرورة إنهاء التدخل الغربي؛ لذا فإن مثل هذا الحل لا يمكن تطبيقه إلا من خلال التحالفات القوية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :