«جريمة في قطار الشرق السريع».. رحلة السحر المنقوص

  • 11/15/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

مارلين سلوم من لم يركب بعد قطار أجاثا كريستي السريع الرابط بين الشرق والغرب، محملاً بالألغاز، والجريمة، والبحث عن الحقيقة والعدالة؟ منذ سنين طويلة، وهذه الكاتبة الأشهر في عالم الرواية البوليسية والجريمة، تغري بقصصها الكتّاب والمخرجين لاقتباس رواياتها، وتقديمها تلفزيونياً وسينمائياً، وتغري الملايين من القراء حول العالم لاقتفاء آثار كتبها، والعيش مع قمة التشويق في الحبكة المثيرة. هذه الكاتبة التي خلقت خطاً جديداً ومختلفاً للرواية البوليسية، جعلت الجريمة لغزاً، والمتهمين كثراً، والأدلة تتوالى، إلى أن يمسك محققها العبقري «هيركول بوارو» بالخيوط ويفكك الرموز ليصل إلى الحقيقة. و«جريمة في قطار الشرق السريع» إحدى أهم رواياتها صارت فيلماً تعرضه الصالات حالياً.أي عمل يستند إلى رواية بوليسية، يصعب عليك سرد أحداثه، أولاً لئلا تفسد على الجمهور متعة اكتشافه، وثانياً لأن كثير من التفاصيل يعتمد في نجاحه على سحر المشاهدة، فما بالك إذا كانت القصة للكاتبة أجاثا كريستي، عاشقة الغموض، وتعقيد خيوط الأحداث، والسير في متاهة حتى النهاية، والمفاجأة عنصر مهم وعصب أساسي للقصة؟! من هنا، نفضل عدم التطرق إلى تسلسل قصة «جريمة قطار الشرق السريع» وإن كانت معروفة لفئة من الناس، لكي تحتفظ المشاهدة السينمائية برونقها. ليست المرة الأولى التي تتحول فيها هذه الرواية التي صدرت عام 1934 إلى عمل تلفزيوني، أو سينمائي. ففي العام 1974 كتبها سينمائياً بول دين، وأخرجها سيدني ليمت في فيلم رائع يحمل الاسم نفسه، وحمل تشكيلة من النجوم مثل ألبرت فيني، ولوران باكال، وجاكلين بيسيه، وإنجرد بيرجمن، وشين كونري.. كما هي حال النسخة الجديدة منه التي نشاهدها حالياً في الإمارات، إنما بتوقيع المخرج والممثل الأيرلندي كينث براناج الذي حمل على عاتقه نجاح الفيلم، أو فشله، خصوصاً أنه لعب أهم الأدوار، وأطولها فيه، وهو دور المحقق «بوارو»، بينما تولى الكتابة السينمائية مايكل جرين. ومع الروائيين المعروفين، يصعب عليك التمييز بين النص الحقيقي، وذلك المعروض على الشاشة، لأن اسم المؤلف الأصلي يبقى هو المرجع في ذهنك. وإذا شئت الاختصار سريعاً، يمكنك القول إنها رحلة على متن قطار يعبر من الشرق إلى الغرب، وتحديداً إلى لندن، تقع على متنه جريمة قتل، يصادف وجود المحقق بوارو بين ركابه، فيعتبرهم متهمين جميعاً. حماس المخرج والممثل براناج، طغى على العمل، لاسيما وأنه اختار لنفسه دور المحقق بوارو، الذي يعتبر عصب القصة، ومحرك الأحداث فيها. والمعروف أن «بوارو» هو الشخصية الأساسية في كل قصص كريستي، التي جعلت منه محققاً نابغة، يتفنن في أساليب اكتشاف حيثيات الجرائم، باحثاً دائماً عن «الشق في حائط الأحداث»، أو الخلل الذي يستند إليه ليصل إلى الحقيقة. من هنا ظهر براناج في كل المشاهد، منذ البداية وحتى اللقطة الأخيرة. لا يمكن لأحد أن ينكر المجهود الذي بذله كمخرج، في تقديم نسخة متطورة، حيث تعمد الخروج من الغرفة الضيقة والتصوير الداخلي الذي رأيناه في الفيلم السابق، مع إبقاء المخرج ليمت أبطاله محاصرين داخل مقطورات القطار، بينما تفنن براناج في التصوير الخارجي، متلاعباً بالرموز والإيحاءات. يوقف القطار على حافة الهاوية، يجلس بوارو مع المسافرة والمتهمة ماري في مقطورة بابها مفتوح على تلك الهاوية مباشرة. جسر حديدي معلق في الهواء من جهة، ومحاصر بالثلوج من الجهة الثانية. جمع المتهمين خلف طاولة واحدة وعلى باب كهف، بينما المحقق يواجههم بالحقيقة ويكشف الأقنعة.. ليس سهلاً أن يقدم ممثل البطولة وتكون مساحة دوره كبيرة جداً، وهو في الوقت نفسه المخرج لفيلم عن رواية لأجاثا كريستي. ولا بد من وقوعه في أخطاء، منها «تكبيل» الممثلين، فلم نر أياً منهم في قمة أدائه، كما أن المساحة المتاحة لهم تفرض عليهم التقيد بها، واللعب ضمن إطارها ليس أكثر. وهو ما جعل المتميزين قلة، مثل ميشال بفايفر، ودايزي ريدلاي، وسنتوقف عند الممثلين لاحقاً.طبيعي أن تتم المقارنة بين النسخة الأولى للفيلم والنسخة الثانية، وما يجعل مهمة براناج صعبة، أن فيلم زميله ليمت حصل على مجموعة جوائز «بافتا» كأفضل فيلم، ومخرج، وممثل، وممثلة، وممثل مساعد، وديكور، كما نالت عنه النجمة إنجرد بيرجمن أوسكار أفضل ممثلة، حيث أدت دور المربية «جريتا» أو بيلار استرافادوس، والتي أدتها في الفيلم الجديد بينيلوبي كروز، إنما من دون أن تستحق عليه جائزة.كوكبة من النجوم شاركت في «جريمة قطار الشرق السريع»، وكلها انتحلت شخصيتين، باستثناء المحقق وصديقه بوك (توم بيتمان)، والشخصيات الثانوية التي ظهرت في بداية العمل. جوني ديب هو إدوارد راتشيت التاجر الثري الذي تدور حوله الكثير من الشبهات، والرواية تجعلك تشك منذ إطلالته بأنه سيرتكب جريمة ما، لكن الأحداث كما هي عادة أجاثا كريستي، تذهب بالاتجاه المعاكس وتفاجئك مهما توقعت ومهما حاولت أن تسبق الأحداث وتتلبس شخصية المحقق «العبقري» بوارو.ميشال بفايفر هي السيدة الجميلة كارولين هوبارد، التي كانت الأبرز من ناحية الأداء وتستحق الإشادة، خصوصاً في مشهد الكشف عن ملابسات القضية، وتفاصيل الحقيقة، وعودتها بالذاكرة إلى ما حدث قبل أعوام. ومعها تستحق الإشادة أيضاً، النجمة الشابة دايزي ريدلاي التي عرفت شهرتها سريعاً مع ظهورها في «حرب النجوم: صحوة القوة» عام 2015، وتؤدي هنا دور المدرّسة ماري دبنهام. دايزي تثبت أنها تملك طاقات كبيرة، لديها كاريزما عالية، وقدرة على إقناع المشاهد بأدائها، وتستطيع رغم حداثة سنها في الفن، أن تتحمل مسؤولية بطولة فيلم كبير. من النجوم أيضاً جوش جاد الذي يلعب دور هكتور ماكوين المحامي المرافق لراتشيت، جوش كعادته يبرع في مثل هذه الأعمال، وتشعر بأن ملامحه تزيد الشخصية غموضاً، تماماً كما هي النجمة جودي دنش صاحبة الباع الطويل بهذه النوعية من الأدوار، وهنا تؤدي الأميرة ناتاليا دراجوميروف بكل كبريائها. ويلم دافو جاء دوره عادياً، إضافة طبعاً إلى بينلوبي كروز. من أسرار أعمال أجاثا كريستي، أنها ترتكز على أداء الممثلين تماماً كارتكازها على الحبكة القوية، فكل الشخصيات يجب أن تكون غامضة، باردة ظاهرياً بينما ملامحها تثير في المشاهدين الكثير من الشكوك، كأن اللسان ينطق بعكس ما تبطن النفس. الوجوه هادئة بينما الملامح غامضة كأنها كهف عليك اقتحامه لتكتشفه، تثير في المشاهدين الشك وتدفعهم لطرح ألف سؤال، وكلها متهمة إلى أن تثبت براءتها وتتبين الحقيقة كاملة. ومن أسرار هذا الفيلم، أنه يستحق المشاهدة وتخرج منه مستمتعاً رغم عيوبه، كأنك في رحلة السحر المنقوص. وحدة الديانات وروح الشرق لا ترى أياً من تفاصيل حياة أجاثا كريستي الخاصة في أعمالها، باستثناء الروح والأجواء التي عاشت في إطارها. فهي بريطانية حتى النخاع، لندن هي أرض الأحداث، أو ملاذها الأول، أو الأخير. تحمل روح الشرق خصوصاً في «جريمة قطار الشرق السريع»، بسبب الرحلات التي قامت بها أثناء مرافقتها لزوجها في عمله، ما بين العراق وسوريا ومصر وفلسطين، الأرض التي تنطلق منها أحداث هذه الرواية، حيث نرى المحقق يحل لغز سرقة مقتنيات مذهّبة من إحدى الكنائس، والمتهمون ثلاثة من رجال الدين يمثلون الديانات السماوية. يجمعهم بوارو أمام حائط في القدس، ليكشف أن السارق رئيس مفتشي الشرطة. يسافر المحقق من القدس إلى إسطنبول، ومنها يستقل القطار السريع إلى لندن. اللافت أن براناج استعان بممثلين عرب، تحدثوا بالعربية، منهم المصري والفلسطيني.. كريستي جعلت الغرب يرى سحر الشرق بعيونها، وحدت بين العالمين وبين الأديان، وقدمها براناج بكثير من الجمال أيضاً. أداء مسرحي وتجارب ناجحة كينث براناج، مخرج إيرلندي ناجح، وممثل يذكرنا بأدائه، بالنجوم الأوائل الذين استندوا إلى الأداء المسرحي، وتأثروا بأعمال شكسبير، فظهروا مبالغين في الأداء السينمائي. خاض تجارب ناجحة في الإخراج، ومن أشهر أعماله فيلم «ثور» 2011، ومن بعده خاض المغامرة بتقديمه فيلم «سندريلا» بنسخة معدلة، وأكثر منطقية وقرباً من الشباب المعاصر، خصوصاً أنها «غير كرتونية»، فلاقى الفيلم نجاحاً كبيراً عام 2015. وكان براناج بدأ رحلته مع الإخراج السينمائي برواية «هنري الخامس» لشكسبير عام 1989 التي حولها إلى نص سينمائي. marlynsalloum@gmail.com

مشاركة :