بغداد - يتصاعد الجدل في العراق بشأن مساعي البرلمان لإجراء تعديلات على قانون الأحوال الشخصية يتيح زواج القاصرات وهو ما يلقى رفضا واسع النطاق من قبل الجماعات والمنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان. وتفجر الجدل بعد أن صوت البرلمان، من حيث المبدأ، الثلاثاء قبل الماضي، على إقرار تعديلات على قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لعام 1959، وهو مسعى يقوده في الأساس الكتل الشيعية البارزة ضمن التحالف الوطني الذي يشغل 180 مقعداً من أصل 328. وهذه هي المحاولة الثالثة لتمرير قانون يجيز زواج القاصرات منذ سقوط النظام السابق عام 2003، بعد فشل المحاولتين السابقتين. وتشمل التعديلات عدة بنود تجيز احتكام الأفراد، كل إلى مذاهبهم الدينية، للبت في بعض القضايا المتعلقة بالميراث والزواج والطلاق، وهو ما يعني فعليا السماح بزواج القاصرات في سن يمكن ان يصل إلى 9 سنوات. وتختلف المذاهب والأديان بشأن الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق وحقوق كل من الجانبين. والغالبية الساحقة من شيعة العراق يتبعون المذهب الجعفري، الذي يعتبر بأن سن تكليف المرأة بالواجبات الدينية مثل الصيام والصلاة يبدأ من 9 سنوات، فضلاً عن جواز تزويجها مع بلوغها هذا السن. مخالفة للدستور والاتفاقيات الدولية ويحذر قاضي محكمة الأحوال الشخصية في بغداد أحمد الساعدي من تمرير التعديلات في البرلمان. ويقول الساعدي، وهو رجل دين شيعي في حديثه للأناضول، إن "التعديلات المطروحة تحمل خطورة كبيرة كونها لم تراع أن البلد متعدد القوميات والطوائف والأديان". وأضاف الساعدي، معلقاً على التزامات العراق الدولية فيما يتعلق بملف حقوق الانسان، أن "العراق وقع سابقاً على اتفاقيات دولية أصبحت ضمن قانونه الوطني ويجب مراعاة تلك القوانين"، مشيراً الى أن "واحدة من أخطر التعديلات تتمثل في زواج القاصرات". وينص قانون الأحوال الشخصية الحالي على عدم جواز زواج الفتيات دون سن الـ18 عاما. ومن بين التعديلات الأخرى التي يسعى البرلمان العراقي لإدخالها على قانون الأحوال الشخصية، هي السماح للزوج بتعدد الزوجات دون إذن الزوجة، وله الحق في الحصول على حضانة الطفل بعمر السنتين، ويجبر الزوجة على السكن مع أهل زوجها. تباين الأحكام وفق المذاهب والأديان وينفي رجل الدين الشيخ مجيد العقابي مطلقاً جواز تزويج القاصرات وفق الشريعة الإسلامية، بغض النظر عن المذاهب. ويقول العقابي إن "زواج القاصرات مرفوض، ومن يقول إن هناك في الشريعة تحديداً لعمر الفتيات للزواج، فهذا هو تحديد للتكليف الشرعي ولا دخل له بالزواج، 9 سنوات فقهيا تصوم وتصلي ولكن ليس سن زواج". وتحفظ العقابي على التعليق على أن مقترح تعديل القانون يجيز أيضا تصديق عقد الزواج الشرعي بعد ستين يوما في المحكمة، متسائلاً: ماذا لو كان هناك خلاف خلال هذين الشهرين قبل تصديق عقد المحكمة مع احتمالات حصول حمل؟. واعتبرت الناشطة الحقوقية، والعضو السابق في مفوضية حقوق الإنسان (مستقلة مرتبطة بالبرلمان)، بشرى العبيدي أن التعديلات المقترحة "تتجاوز على السلطة القضائية بحكم أنها تجيز تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية بالرجوع إلى مذهب الشخص في بعض الأحكام مما يعني البت في بعض القضايا يكون عن طريق السلطة التنفيذية ممثلة بالوقفين السني والشيعي وبالتالي إلغاء دور القضاء". وأضافت العبيدي أن "المعترضين سيطعنون بالتعديلات أمام المحكمة الاتحادية العليا (أعلى محكمة في البلاد) في حال تمرير البرلمان لها لمخالفتها للدستور". وشنت العبيدي انتقادات لاذعة على المدافعين عن تمرير القانون مخاطبة إياهم قائلة: "أنتم وداعش سواء. إذا ما أقر المقترح فإنه يوفر غطاءً قانونياً لبعض أفعال عناصر داعش وبإمكان أي محامي تبرئتهم". ولم تستبعد العبيدي اللجوء إلى مراجع الدين ودار الافتاء العراقية، كأحد الخيارات، لإيقاف تمرير مقترحات تعديل القانون. التعديلات تدعم المرأة ويرى المدافعون عن التعديلات المقترحة أنها تدعم في طياتها المرأة العراقية وتحمل "الكثير من المزايا". ويقول النائب عن كتلة المواطن (28 مقعداً في البرلمان العراقي من أصل 328 مقعداً) حامد الخضري، للأناضول، إن "الأصوات المعترضة على التعديلات كانت لا تتعدى قرابة 13 نائباً من أصل 170 كانوا حاضرين في جلسة البرلمان" أثناء التصويت على التعديلات من حيث المبدأ الثلاثاء قبل الماضي. وأضاف بالقول، "سنعمل على إحالة التعديلات إلى التصويت النهائي وإذا صوتت الأغلبية بالرفض فمقترح تعديل القانون يعتبر لاغيا"، ولم يحدد البرلمان موعداً للتصويت. ويعتبر الخضري، الذي قدم نيابة عن كتلته مقترح التعديلات للبرلمان، أن "التعديلات تدعم المرأة العراقية وفيها مزايا كثيرة سيتم اطلاع الرأي العام عليها قريبا"، من دون أن يعطي تفاصيل. وكانت كتلة المواطن، وهي إحدى كتل التحالف الشيعي الحاكم، في مجلس النواب قد قدمت مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية مطلع العام الحالي، وتم قراءته كقراءة أولى في شهر يوليو/تموز الماضي، قبل أن يتم التصويت عليه من حيث المبدأ في 31 أكتوبر/تشرين الأول بالرغم من اعتراضات لجنة المرأة والطفل النيابية. في المقابل، يرى عضو اللجنة القانونية في البرلمان حسن توران، أن السعي لتمرير التعديلات في الوقت الحالي يدخل في باب الدعاية للانتخابات التشريعية المزمعة في مايو/أيار المقبل. ويقول توران، وهو تركماني سني، للأناضول، ان "أغلب المكونات داخل التحالف الوطني الشيعي داعمة لتلك التعديلات وقد تصوت بالأغلبية بالرغم من وجود حراك مدني قوي رافض لتعديل القانون". وأشار إلى أن "الرفض معزز بأصوات داخل البرلمان بعضها من داخل التحالف الوطني نفسه". ودعا توران إلى "التريث وتأجيل الخوض في الموضوع برمته"، محذراً من أن تساهم التعديلات المقترحة، بصيغتها المطروحة، في "ترسيخ الانقسام داخل المجتمع العراقي". وسعت الأحزاب السياسية الشيعية إلى تعديل قانون الأحوال الشخصية منذ إسقاط النظام السابق بزعامة صدام حسين، واستلامها دفة الحكم في 2003. وسعى زعيم المجلس الأعلى الراحل عبدالعزيز الحكيم إلى إلغاء قانون الأحوال الشخصية حين تولى منصب رئيس مجلس الحكم الانتقالي في 2003، إلا أن مسعاه جوبه بالرفض من قبل أطراف داخلية والولايات المتحدة التي كانت قوة محتلة في ذلك الوقت. وغالبية التعديلات مثار الجدل حاليا، كانت قد تم إجهاض تمريرها ضمن قانون منفصل سمي بـ"قانون الأحوال الشخصية الجعفري" طرحته كتل سياسية شيعية في الحكومة السابقة ووافق عليه مجلس الوزراء عام 2014. لكن تم إيقاف مشروع القانون بعد اعتراضات واسعة انتهت بتدخل الأمم المتحدة وتقديم توصية للحكومة العراقية بضرورة سحب مقترح القانون. كما تدخلت بعثة الأمم المتحدة في العراق "يونامي" في الجدل المتصاعد بشأن التعديلات الجديدة. ودعت "يونامي" الحكومة العراقية، في بيان صدر الجمعة الماضي، إلى ضرورة مراعاة حقوق المرأة ضمن التعديلات المقترحة على القانون.
مشاركة :