فجرت فتوى دينية أصدرها رجل الدين السني العراقي الشيخ مهدي الصميدعي الذي يحمل صفة مفتي أهل السنة والجماعة بشأن حرمة احتفال المسلمين بأعياد الميلاد غضبا عارما في الأوساط الدينية المسيحية وحتى العديد من الأوساط الإسلامية بما فيها ديوان الوقف السني.وكان الصميدعي شن هجوما عنيفا خلال خطبة صلاة الجمعة أول من أمس على الطريقة التي بات المسلمون يشاركون المسيحيين احتفالاتهم، عادا هذه المشاركة بمثابة «انتصار لليهود والنصارى» على حد قوله في تلك الخطبة، قائلا إنه «لا يجوز الاحتفال برأس السنة ولا التهنئة لها ولا المشاركة فيها».وفي وقت عبر العديد من رجال الدين والفعاليات المسيحية والإسلامية عن الشجب والاستنكار لمثل هذه التصريحات التي عدوها بمثابة استدعاء لخطاب الكراهية، أعاد مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات قديمة مماثلة لرئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي قبل توليه منصبه جاءت بمثابة تأييد كامل لتصريحات الصميدعي الأمر الذي أدى إلى تفاقم الغضب في أوساط المسيحيين لجهة كون الخطاب الديني التقليدي في العراق بنسختيه السنية والشيعية واحدا حيال الموقف من أصحاب الديانات الأخرى لا سيما المسيحيين.وفي أبرز ردود الفعل على فتوى الصميدعي استنكر رئيس البطركية الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس رافائيل ساكو الفتوى قائلا في بيان له إن «من يتبنى كذا خطاب هو شخصية غير مكتملة». وأضاف ساكو: «المعروف عن رجل الدين من أي دين كان أن يدعو إلى الأخوة والتسامح والمحبة وليس إلى الفرقة والفتنة». وطالب ساكو الحكومة العراقية بـ«متابعة كذا خطابات ومقاضاة مروّجيها خصوصاً عندما تصدر من منابر رسمية».بدوره، قال الأمين العام لحركة «بابليون» المسيحية ريان الكلداني، في معرض رأيه عن ردود الفعل الصادرة عن النخب الفكرية والثقافية والمدنية العراقية بالضد من تصريحات الصميدعي والموسوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف الصادر عن النخب الفكرية والمثقفين الإيجابي ليس مفاجئا بالنسبة لنا»، مبينا أن «هذا الموقف النبيل والغاضب من هذه التصريحات التي تستدعي بلا مناسبة خطاب الكراهية هو سبب ثقتنا ببلادنا ومجتمعنا». وأضاف الكلداني: «لو لم يكن هناك وعي عراقي يلفظ التطرف والكراهية، لما استطاع العراق أن يتغلب على المراحل السوداء الماضية». وأشار إلى أن «المسيحيين يتوجهون بالشكر والامتنان لمن أخذوا على عاتقهم الرد والشجب والدفاع عن الحق بمواجهة خطاب الكراهية»، مؤكدا في الوقت نفسه «الحق في اتخاذ الإجراء القانوني بحق هؤلاء الذين يزرعون التفرقة في البلاد».ويعد منصب مفتي أهل السنة والجماعة في العراق مختلفا عليه بين علماء السنة خصوصا المجمع الفقهي العراقي وديوان الوقف السني خصوصا بعد إلغاء منصب مفتي الديار العراقية بعد عام 2003.يذكر أن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني زار قبل نحو شهر جامع أم الطبول الذي يتخذه الصميدعي مقرا له والتقى به في زيارة معلنة هي الأولى من نوعها يقوم بها سليماني لأي شخصية سواء كانت دينية أم سياسية.إلى ذلك أكد رئيس ديوان الوقف السني الشيخ عبد اللطيف الهميم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه التصريحات «خارجة عن المعقول والمقبول والمألوف والمعروف ولا تمثل ديوان الوقف السني بجميع منابره وأفكاره وتوجهاته في ترسيخ الوحدة الوطنية، التي كان للإخوة المسيحيين السبق في وجودهم التاريخي على أرض الرافدين من خلال آبائهم الكلدان والآشوريين». وأضاف الهميم: «مثل هذه التصريحات الهوجاء غير الموزونة ولا المقفاة ولا المنضبطة تعيدنا إلى خطاب الكراهية والتحريض والفتنة ورفض الآخر، ولا تمثل التعايش المشترك بين العراقيين بجميع شرائعهم قومياتهم وأطيافهم وطوائفهم ومذاهبهم، عربهم وكردهم وتركمانهم، شعب واحد تقاسم السرّاء والضرّاء منذ أن تشكلت هوية العراقي من الدم المنساب من ألوان الطيف كلها، يوم شقّت الأرض في العراق نخلة، فصارت حزمة الطيف أمتن من حزم العصيّ».وبين الهميم أنه «لا يستغرب هذه التصريحات التي تصدر عن هؤلاء الأشخاص، فمثلما هم يُحرّمون علينا الاحتفال بمولد فخر الكائنات وسيّدها نبيّنا الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نجدهم اليوم يُحرّمون الاحتفال بعيد السيد المسيح عليه السلام».من جانبها، أكدت جماعة علماء العراق جواز الاحتفال بأعياد رأس السنة ومشاركة المسيحيين أفراحهم. وقال رئيس الجماعة الشيخ خالد الملا في تصريح إن «مشاركة المسيحيين في أفراحهم وأعيادهم يوطد العلاقة بيننا ويعزز من أواصر الوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها»، مشيرا إلى أن «الجماعة أصدرت فتوى بهذا الخصوص». وأضاف الملا، أن «ولادة النبي عيسى هو يوم من أيام الله وهو أمان وسلام وفرح وولادته بحد ذاتها هي معجزة».
مشاركة :