من بحبوحة الدولة النفطية إلى شظف العيش ورحلة المعاناة. تلك هي حال الشعب الليبي بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي. وكأنه قُدّر عليه أن يختار بين الدكتاتورية والاستبداد وبين الفوضى وضيق ذات اليد. أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها ليبيا خلال الفترة الماضية خصوصا مع ارتفاع سعر الدولار، وازدهار السوق السوداء لتجارة العملة. واتخذ وضع المواطنين الليبيين منحى أسوأ في الأسبوعين الماضيين حيث شهد سعر صرف الدينار في السوق السوداء انخفاضا جديدا بعدما ظل لفترة طويلة عند مستويات شديدة التدني ما عزز ارتفاع التضخم الذي يسجل بالفعل ما بين 25 و30 بالمئة. ازدهار السوق السوداء وفي ساحة خلف مصرف ليبيا المركزي ينتشر تجار السوق السوداء بعضهم مسلح وبحوزتهم أكياس بلاستيكية سوداء صغيرة معبأة بالدولارات وأخرى أكبر حجما معبأة بالدنانير وقد انخرطوا في واحدة من عمليات كثيرة غير رسمية لتبديل العملة. يشتري التجار الغذاء والسلع الأخرى من الخارج بسعر الصرف الرسمي ويبيعونها بالسعر غير الرسمي محققين بذلك أرباحا هائلة بينما يجني آخرون أرباحا مماثلة عن طريق تهريب الوقود المدعم إلى الخارج. وقال محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير في مؤتمر صحفي نادر يوم الثلاثاء الماضي “نتكلم على وضع اقتصادي ومالي سيء للغاية… الجميع يتحمل المسؤولية سواء جهة تشريعية أو تنفيذية”. بيع الحلى لشراء الدواء أما في أزقة المدينة القديمة فقد لجأ السكان لبيع الحلي أو الدولارات المخبأة في المنازل حيث ألقت الفوضى المنتشرة في البلاد طوال ستة أعوام منذ سقوط حكم معمر القذافي بظلالها عليهم. تقول فاطمة (40 عاما) من مدينة سبها الجنوبية “لم أتلق راتبي منذ أربعة أشهر” وكانت تتحدث بينما تبيع ثلاث قطع صغيرة من الذهب لشراء دواء السكري لشقيقتها حسينة التي أضافت “نحن عاجزون، لا يمكننا فعل أي شيءآخر”. وسحب أصحاب الأعمال ودائعهم من البنوك خوفا من أن يسرب الموظفون معلومات عنهم لخاطفين بينما فضل آخرون الاحتفاظ بالأموال في المنزل. وفي متجر آخر بالمدينة القديمة قالت امرأة تدعى كريمة كانت تبدل 500 يورو “أحتاج الذهاب إلى تونس لإجراء عملية وأنا أبيع مدخراتي من العملة الصعبة، الوقت صعب جدا الآن”. وقال صاحب متجر يدعى صلاح الدين زرتي (52 عاما) إن ما يصل إلى عشرة أشخاص يأتون يوميا لبيع حليهم. وأضاف “في البداية كان الوضع كل يوم، ولكن أعتقد أن الناس بدأوا في استنفاد مجوهراتهم”. وفي مؤشرات أخرى على ارتفاع معدل الفقر تتسول سيدات مسنات من راكبي السيارات في شوارع طرابلس بينما تصطف الأسر للحصول على حصص من طعام الصدقات. وتظهر تقديرات الأمم المتحدة أن نحو 1.3 مليون شخص في ليبيا يحتاجون مساعدة إنسانية في العام الحالي. ضبابية سياسية تضعف العملة ويقول تجار وخبراء اقتصاد إن الضبابية السياسية عامل رئيسي يضعف العملة حيث تم تعليق محادثات تتوسط بها الأمم المتحدة لإبرام اتفاق بين الفصائل المتنازعة في الوقت الراهن. وتكافح ليبيا لتمويل واردات الغذاء وحماية احتياطياتها من النقد الأجنبي التي يقدر البنك الدولي أنها ستبلغ 67.5 مليار دولار بنهاية العام الحالي مقارنة مع 123.5 مليار دولار في 2012. ويقول خبراء دوليون إن السبيل الوحيد لحل الأزمة هو خفض قيمة الدينار عن سعر الصرف الرسمي الحالي البالغ 1.37 دينار للدولار. لكن الاتفاق على استراتيجية اقتصادية في بلد تسيطر عليه فصائل مسلحة وحكومتان متنازعتان وفي غياب أي ميزانية ليس بالمهمة السهلة. كما أن أي مجموعة من أصحاب النفوذ أو تربط أفرادها علاقات متينة وتتربح من اقتصاد مواز مزدهر لن يكون من مصلحتها التغيير. ولم يعلق البنك المركزي على فكرة خفض قيمة العملة لكن خبراء اقتصاديين ودبلوماسيين يقولون إن البنك لا يرغب في خفض قيمة الدينار دون خطة سياسة نقدية جاهزة للتعامل مع الصدمة الناتجة عن ذلك. يورونيوز/ رويترز
مشاركة :