يصاب شخص من كل ثلاثة راشدين حول العالم بداء الكبد الدهني غير الكحولي: إنها حالة صامتة ولها ارتباط وثيق بأمراض القلب. نظرة إلى الأعراض والتشخيص والعلاجات. الكبد أكبر عضو داخل الجسم ويتولى مئات الوظائف الحيوية كأن يحوّل الغذاء إلى مصدر طاقة، ويفكك الكولسترول، ويزيل السموم من الدم، ويُصنّع البروتينات التي تُحسّن تجلّط الدم. لكن تتراكم الدهون داخل الكبد على نحو خطير لدى عدد مقلق من الناس، لذا يُعتبر داء الكبد الدهني غير الكحولي السبب الأول لأمراض الكبد المزمنة في العالم، بالإضافة إلى أنه ينعكس على أمراض القلب. تقول الدكتورة كاثلين كوري، مديرة «عيادة مرض الكبد الدهني» في مستشفى ماساتشوستس العام: «يزيد داء الكبد الدهني غير الكحولي خطر الإصابة بأمراض القلب بغض النظر عن عوامل الخطر التقليدية الأخرى مثل ارتفاع ضغط الدم والكولسترول. بالنسبة إلى المرضى، يكون اضطراب القلب أبرز عامل قاتل ويسبّب أكثر من 25% من حالات الوفاة». أثر البدانة قبل عام 1980، كان الأطباء يشخّصون داء الكبد الدهني في حالات نادرة. لكن اكتشف العلماء أن فائض الدهون في الجسم والسكري قد يؤديان أيضاً إلى تطوّر هذا المرض حتى لو لم يُكثِر المرضى من شرب الكحول. حين يسمن الناس، يتضخم كبدهم أيضاً. عموماً، يصاب نصف مرضى السكري بداء الكبد الدهني غير الكحولي. تحت المجهر، تشبه الدهون التي تتراكم داخل الكبد مؤشرات داء الكبد الدهني المرتبط بالكحول. يرتفع معدل الكولسترول والشحوم الثلاثية أيضاً لدى المصابين بالمرض. لكن لا تظهر هذه المشكلة لدى جميع المصابين بالسكري والبدانة واختلال مستوى الدهون. ولا يواجه بعض المصابين بمرض الكبد الدهني أياً من عوامل الخطر هذه، ما يشير إلى دور الجينات وعوامل أخرى في هذا المجال. مشكلة في التشخيص في المرحلة الأولى من داء الكبد الدهني غير الكحولي، تتراكم الدهون في خلايا الكبد وتُسمّى هذه الحالة «تشحّم الكبد». لا تترافق هذه المشكلة مع أي أعراض ويكتشفها الطبيب غالباً حين يرصد فحص الدم مستويات مرتفعة من أنزيمات الكبد، أو قد يحصل التشخيص عن طريق المصادفة خلال فحص لسبب آخر. ثم يمكن أن يطلب الطبيب فحوصاً إضافية لاستبعاد مشاكل محتملة أخرى مثل التهاب الكبد «ج» الذي ينجم عن فيروس معيّن. يكشف تصوير الكبد بالموجات فوق الصوتية مؤشرات تشحّم الكبد وتغييراً في تركيبة الكبد. لكن يتطلب التشخيص النهائي إجراء فحص خزعة الكبد الذي يشمل دسّ إبرة في الجانب الأيمن من البطن واستخراج جزء صغير من نسيج الكبد لفحصه تحت المجهر. خزعة الكبد جراحة غازية، لذا لا تخلو من مضاعفات. لكنها أصبحت مألوفة نسبياً اليوم ويمكن إجراؤها من دون المبيت في المستشفى. في ما يخص فحص الخزعة، يتوقف قرار الطبيب على عوامل عدة، من بينها بدانة الشخص أو إصابته بالسكري أو مؤشرات أخرى على وجود خطب في الكبد. بمرور الوقت، يتعرّض حتى %40 من المصابين بالكبد الدهني غير الكحولي لشكلٍ أكثر خطورة منه: التهاب الكبد الدهني غير الكحولي. في هذه الحالة، تؤدي الدهون المتراكمة إلى التهاب الكبد. لا يواجه معظم المرضى حينها أي أعراض مع أن البعض يتحدث عن شعوره بتعب وانزعاج في الجزء العلوي من البطن. غداة التهاب الكبد الدهني غير الكحولي، يتطور تليّف أو تندّب في الكبد. ويزيد التليّف خطر سرطان الكبد ويوصل داء الكبد إلى مراحله الأخيرة. إلى جانب التهاب الكبد «ج» وتضرر الكبد المرتبط بالكحول، يُعتبر تليّف الكبد المرتبط بالتهاب الكبد الدهني غير الكحولي أحد الأسباب الرئيسة لزرع الكبد في الولايات المتحدة. ومع زيادة الحالات، يتوقع الخبراء أن تصبح مضاعفات الكبد الدهني السبب الأول لإجراء تلك الجراحة خلال عشر سنوات. أثر أمراض القلب تشير أدلة متزايدة إلى وجود رابط قوي بين داء الكبد الدهني غير الكحولي والصفائح الخطرة التي تتراكم داخل شرايين القلب. تؤدي المركّبات الالتهابية وغيرها من عناصر يضخّها الكبد المليء بالدهون إلى تصلّب الشرايين الذي يضرّ بالجهة الداخلية من الشرايين ويجعل الدم أكثر عرضة للتخثر، من ثم يؤدي هذا الخليط من العوامل إلى نوبة قلبية أو جلطة دماغية. يأخذ معظم المصابين بنوبة قلبية أو الأشخاص الأكثر عرضة للنوبات أدوية ستاتين لتخفيض معدل الكولسترول. يُعتبر تضرر الكبد أثراً جانبياً غير شائع لأدوية الستاتين. لكن لا تزال هذه الأدوية آمنة بالنسبة إلى المصابين بالتهاب الكبد غير الكحولي، حتى أنها قد تحسّن الوضع وفق بعض البحوث. فقدان الوزن وعلاجات أخرى يركّز علاج مرض الكبد الدهني غير الكحولي على تخفيف الدهون المتراكمة في الكبد أو الوقاية منها، ذلك من خلال معالجة الأسباب الكامنة: البدانة، السكري، زيادة الدهون في الدم. فقدان الكيلوغرامات، حتى إن كانت قليلة، يُحدِث فرقاً مهماً. لاحظت دراسة حديثة نُشرت في مجلة «جاما» للطب الباطني تراجع مستويات الدهون في الكبد بنسبة تتراوح بين 35 و%40 لدى الأشخاص الذين شاركوا في تمارين معتدلة أو مكثّفة وخسروا بين 3 و%6 من وزنهم. توضح كوري: «حتى لو لم نخسر الوزن، يمكن أن تخفف الرياضة نسبة الدهون في الكبد. أوصي مرضاي بممارسة تمارين الأيروبيك تسعين دقيقة على الأقل أسبوعياً». في ما يخص الحمية الغذائية، تشبه التوصيات في هذا المجال تلك التي ينصح بها الأطباء للوقاية من أمراض القلب: الإكثار من تناول الخضراوات والفاكهة والحبوب الكاملة في مقابل الاكتفاء بكميات بسيطة من البروتينات غير الدهنية مثل الأسماك والدجاج. يجب أن تحدّ أيضاً من استهلاك الدهون المشبعة (اللحوم ومشتقات الحليب والبيض) والكربوهيدرات المكررة (كل ما هو مصنوع من طحين أبيض) والسكر المضاف، لا سيما المشروبات الغازية وسوائل أخرى غنية بالسكر. على صعيد آخر، يجب أن يحدّ المصابون بمرض الكبد الدهني غير الكحولي من شرب الكحول بينما يضطر كل مصاب بالتهاب الكبد غير الكحولي إلى تجنب الكحول بالكامل. من المفيد أيضاً أن يعالج المرضى مشاكل السكري وارتفاع ضغط الدم.
مشاركة :