خطيب الحرم المكي : سؤال المرأة أهلَ العلم عن أمر دينها حق مشروع ولا يُستغنى عنه

  • 11/17/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد، المسلمين بتقوى الله عز وجل، والحذر من علم لا عمل معه، وعمل لا إخلاص فيه، ومال لا ينفق في وجوه الخير منه، وقلب خالٍ من محبة الله والشوق إليه، ووقت معطل من فعل الخيرات واغتنام المبرات. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام اليوم: العلماء ورثة الأنبياء، والسؤال مفتاح العلم، والشرع ورد بالأمر بالسؤال، وحث عليه، ورغّب فيه والسؤال: استفتاء، والإفتاء أمانة، والاستفتاء في مواضع الحاجة ومواطن الإشكال، والسؤال لطلب مزيد من العلم والاستبصار؛ كل ذلك مما جرت به عادة الأخيار في الأعصار والأمصار، والسؤال مفتاح يُتوصل به إلى ما في القلوب من معالي العلوم وأسرار الغيوب، يقول ابن شهاب: “العلم خزائن ومفاتيحها المسألة”، ويقول الخليل: “العلوم أقفال، والسؤالات مفاتيحها، وإذا ملكت المفتاح فتحت ما شئت، والسؤال يفتح الآفاق، ويزيل الإشكال، ويعين على الفهم”. وأضاف: السؤال عنوان عقل السائل وأدبه، والعاقل لا يقول كل شيء، والجاهل لا يحسن التفريق بين ما يقال وما لا يقال، ومتى يقال وكيف يقال. وأردف: من القواعد المحفوظة في ذلك: اسأل سؤال الجاهل، وافهم فهم العاقل، وحسن السؤال نصف الجواب، ومن أحسن السؤال وجد حُسن الجواب، ومن أساء السؤال فلا يأمن الحرمان، ومن ذل في التعلم طالباً عز في التحصيل مطلوباً، ولا ينال العلم إلا صاحب اللسان السؤول والقلب العقول ودأب غير ملول، كما لا ينال العلم مستحيٍ ولا مستكبر، يقول الحسن: “من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله”؛ فتصدر أسئلة كريمة مقرونة بالصدق والرغبة، وحسن الأدب وحسن السؤال نصف العلم، ونظراً لأهمية ذلك سؤالاً وجواباً؛ فقد بسط أهل العلم الكلام في آداب السؤال والاستفتاء، وآداب الجواب والإفتاء، وقد يسر الله لأهل هذا الزمان أسباب الاتصال والتواصل وأدواتهما؛ مما ظهرت فيه الحاجة للنظر فيما بسطة أهل العلم في ذلك من آداب وأخلاق وحينما ينظر المتأمل تَصَدّر بعض المفتين، ومواقع الفتوى في الصحف والمجلات والقنوات وشبكات المعلومات؛ يتبين خطر هذا الأمر، وعِظَم المسؤولية. وتابع “بن حميد”: على المستفتي والسائل أن ينظر فيما يبرئ ذمته، ويُنجيه حين يقف بين يدي ربه في صحة ما يقول، ودقة ما ينقل؛ حتى يكون السؤال مطابقاً للواقع، وينبغي الوضوح في السؤال في كلماته وتفاصيله، ويستفتح سؤاله بعبارات تدل على الأدب والاحترام وحسن الأخلاق؛ من البدء بالسلام والدعاء كأن يقول: نفع الله بعلمك، بارك الله فيكم، أحسن الله إليكم، ونحو ذلك. وأضاف: يجب أن يحذر من الكتمان والتدليس، أو التزوير في الألفاظ والوقائع، وليسأل عما وقع له، ولا يتنقل بسؤاله بين المفتين وأهل العلم؛ فهذا ليس من الديانة ولا من الورع، كما يجب أن يحذر من أن يتتبع الرخص، ويتخير من فتاوى أهل العلم ما يروق له، وقد قال أهل العلم: “من أخذ برخصة كل عالم أو زلة كل مفتي؛ اجتمع فيه الشر كله”.. وليحذر من يريد الخير لنفسه أن يضرب أقوال أهل العلم بعضها ببعض؛ فأهل العلم لا يزالون يختلفون في اجتهاداتهم وآرائهم وأجوبتهم منذ عهد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة؛ بل يجب الحرص على براءة الذمة ليسلم الدين وتصح العبادة وتحل المعاملة وتستقيم الحياة، وإذا سمع في مسألة أكثر من جواب أو قول؛ فعليه أن يأخذ بفتوى الأوثق عنده في دينه وعلمه وورعه، وليغلق عن نفسه باب الهوى وتتبع الرخص، وليحذر المستفتي كل الحذر أن يكون قصده اختبار المفتي أو تصنيفه أو إحراجه أو تعجيزه أو الإيقاع به أو إظهار التعالم وسعة الاطلاع. وأردف: مَن كان قصده بالسؤال الاختبار والامتحان رجع بالحرمان والخسران وقسوة الجنان؛ فالسؤال لا يُطلب إلا لحاجة السائل ومعرفة الجواب ليستفيد منه ويعمل به؛ لا ليجادل ويظهر التعالم، وفي الحديث الصحيح: “مَن تعلم العلم ليجاري به العلماء، ويماري به السفهاء، ويصرف وجوه الناس إليه؛ كبه الله في النار”. وتابع: لا ينبغي أن يورد السؤال بصيغة تتضمن الجواب فيضع صفات وقيوداً وافتراضات من عنده لا يسع المفتي أو المسؤول إلا أن يقول هذا جائز أو هذا ممنوع؛ فكأنه يوجه المفتي ليجيب حسب رغبته؛ أي أنه يريد جواباً موجهاً؛ ولهذا جرت عادة أهل العلم في أجوبتهم أنهم يستفتحونها بقولهم: “إذا كان الحال على ما ذكر”.. ومثل ذلك أيضاً قول السائل: ما رأيكم فيمن يدّعي كذا؟ أو ما قولكم فيمن يزعم كذا؟ فهذا كله توجيه للجواب لا يحسن سلوكه. وإذا أراد طالب العلم أن يبحث المسألة مع العالم فليبين له ذلك وليستأذنه؛ فإن أذن له؛ وإلا توقف بأدب وتواضع ورضا، ولا يكتب جواب المفتي ولا يسجله إلا بإذنه؛ فقد تكون الكتابة غير دقيقة أو غير سليمة، وقد يكون للجواب ظرفه ومناسبته التي يختلف فيها الجواب عن ظروف ومناسبات أخرى، كما أنه ينبغي عدم الإطالة في السؤال أو الحديث قبل السؤال مما لا فائدة فيه، ولا كثرة الأسئلة فيما لا حاجة إليه؛ محافظةً على وقت المفتي وحق الآخرين. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام: من الآداب التزامُ الأدب عند السؤال وتوقير العالم، وتحسين الألفاظ، وحفظ الألقاب، وخفض الصوت، وحُسن الإنصات والاستماع، ولا يكثر في إيماء يديه، أو بصره، وليتجنب الرعونة والجفاء وقلة الأدب.. ومن الأدب عدم الإكثار من إيراد الأسئلة على المفتي أو الشيخ مما يجلب الإملال وسوء الخلق، وكذلك من الأدب ألا يقول في استفتائه “قال العالم الفلاني كذا”، أو “العالم الفلاني يخالفك في كذا”؛ فهذا من قلة الأدب، ومن طبيعة النفوس أنها لا تحب إيراد قول غيرها في معرض السؤال، وقد قالوا: كلام الأقران يُطوى ولا يُروى، وليحذر إيقاع الخلاف أو الشحناء بين أهل العلم.. ومن الأدب كذلك تحري الأوقات المناسبة للمفتي؛ فلا يسأل في كل وقت؛ ولا سيما مع تيسر أدوات الاتصال والتواصل واختلاف الأوقات بين الدول والمناطق؛ فينبغي مراعاة ذلك حتى لا يتسبب ذلك في إيذاء المفتي؛ فللمفتي الحق في الراحة والأكل والشرب والقراءة والعبادة والجلوس مع الأهل، وغير ذلك من الحاجات والأغراض. وأضاف: سؤال المرأة أهلَ العلم عن أمر دينها حق مشروع، وأمر لا يُستغنى عنه؛ فعند البخاري رحمه الله: “كانت عائشة رضي الله عنها لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، ولم تزل نساء الصحابة يكلمن الرجال في السلام، والاستفتاء، والسؤال، والمشاورة”، وعند مسلم: “قالت عائشة رضي الله عنها: “نِعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه”. وأردف: المفتي موقّع عن رب العالمين؛ فهو يُفتي بما يرى أنه حكم الله؛ إما بشرع منزل ونص مباشر، أو باجتهاد سائغ صادر من أهله في محله؛ فالمفتي يوقع عن الله في إخبار الناس بأحكام الله، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سئل يقول: “يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون عليه إلى جهنم” كيف وقد جاء في الحديث: “أن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من سأل عن شيء فحرم من أجل مسألته”؛ فهذا يشمل السائل والمسؤول، إذا كان ذلك كذلك. وتابع: على المفتى أن يكون واسع الصدر، يتغاضى عن غليظ العبارات، وجفاء التعامل، فضلاً عن سفه السفهاء، وجهالة العوام، ويحسن فيه ألا يتسرع في الفتوى أو يتعجل؛ بل يتأنى ويتفهم السؤال ويتصوره مع فكر ونظر، وعليه أن يكون واضحاً في الإجابة؛ مبيناً لها بياناً شافياً كافياً، ويرفق بالسائل، ويصبر على تفهم السؤال، وتفهيم الجواب. ودعا “ابن حميد” إلى العناية بالتيسير على الناس ومراعاة أحوالهم وظروفهم وعوائدهم، ورفع المشقات عنهم ودفعها.. ومعلوم أن التيسير ليس بإسقاط فرائض الله، أو التحلل من التكاليف الشرعية، والتمشي مع أهواء الناس ورغباتهم، ولئن كانت الفتوى تتغير بتغير الأزمان والأمكنة والأحوال والعوائد كما يقول أهل العلم؛ لكنها لا تتمشى مع الأهواء والشهوات؛ بل تلتزم الأصول الشرعية والعلل المرعية والمصالح الحقيقية.. ومن الأدب ألا يفتي إذا كان لديه ما يشغله ويصرف قلبه من مرض وشدة غضب أو غلبة نوم أو نعاس، وكل ما يخرج عن حد الاعتدال. وحث إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور صالح بن حميد كلاً من المفتي والمستفتي أن يتقوا الله ويضعوا أحكام الشرع مواضعها، ويراقبوا الله حق المراقبة، أداءً لحقه سبحانه، وبراءة للذمة، وطلباً للنجاة في الآخرة يوم العرض والسؤال والوعد والوعيد.

مشاركة :