منذ بدء ظهور الكشف عن المعلومات السرية على يدي المتعاقد السابق مع جهاز الاستخبارات إدوارد سنودن، على صفحات «واشنطن بوست» والـ«غارديان»، صار النقاش السياسي حول دولة المراقبة الأميركية عالقاً في القرن العشرين.من جانبهم، خشي جمهور المواطنين من عين المراقبة السرية الشاملة، أو الآلة البيروقراطية واسعة النطاق التي يمكنها الاطلاع على حياتنا عبر الإنترنت وتتبع الأرقام التي نتصل بها باستخدام هواتفنا الذكية. إن الخصوصية كما نعرفها قد انتهت. وحان عصر الوصاية، أو ما يمكن وصفه بـ«الأخ الأكبر» الآن.من جهته، كان الرئيس السابق باراك أوباما قد استجاب لتسريبات كشفها سنودن، بتشكيل لجنة خبراء خلصت إلى أن الأسلوب الذي تباشر به وكالة الأمن القومي عملها تجاهل المخاوف المشروعة بشأن الحريات المدنية، وأن الحكومة لم تكن في حاجة إلى تخزين البيانات التعريفية للمواطنين، أو أرقام الهواتف، أو أوقات وتواريخ المكالمات الهاتفية التي نجريها.واتضح بعد حين أن التساؤلات التي أثارتها قضية سنودن لم تكن بالأساس جزءاً من القصة... فالكشف الأخير الذي أزاحت صحيفة «نيويورك تايمز» الستار عنه يطرح علينا قصة مختلفة تماماً، وأكثر إشاعةً للرعب والخوف. وفي هذه الحالة لا يبدو تشبيه «الأخ الأكبر» مناسباً، وإنما «الاختراق». كانت هناك شبكة غامضة من القراصنة تدعى «سماسرة الظل»، تمكنت من سرقة صندوق الأدوات الخاص بوكالة الأمن القومي الأميركية، والخاص بالأسلحة السيبرانية التي كانت الوكالة تستخدمها في التلصص على كومبيوترات الخصوم. ثم عمدت شبكة القراصنة تلك إلى عرض ثمار الأسلحة السيبرانية القوية على المشتركين، التي لم يكن من المفترض من الحكومة الأميركية الاعتراف بوجودها على الإطلاق. ولم يعد وجود الفيروس مقتصراً على جدران المختبر... لقد انطلق هائماً في العراء!وفي حين يبدو أن هجوم الأسلحة السيبرانية يرجع إلى عام 2013، فإن حجم الأضرار الناجمة لا يزال قيد التقدير. وتقول صحيفة الـ«تايمز» إن وكالة الأمن القومي لم تنجح حتى الآن في العثور على الجناة. وخضع كبار خبراء الأمن السيبراني في الوكالة لـ«اختبارات كشف الكذب» مؤخراً، وصارت المعنويات داخل أروقة الوكالة في أدنى مستوياتها. فهل كان هناك جاسوس؟ أم هل حدث اختراق؟ إن أكبر وكالة للمراقبة على مستوى العالم لا تعرف الإجابة حتى الآن.وبعيداً عن الإضرار بصورة وكالة الأمن القومي الأميركية بوصفها العين التي ترى كل ما يحدث، فإن قصة صحيفة الـ«تايمز» تقول إن التهديد الأكبر لخصوصيتنا اليوم لا ينشأ عن المؤسسة التي تحتكر سلطات المراقبة والتتبع، ولكن من «تفكك» سلطات وصلاحيات المراقبة. ولم تعد المعادلة تتعلق بالمواطن في مواجهة الدولة. بدلاً من ذلك، صارت المعادلة عبارة عن حالة من الحرب الشاملة... الجميع في مواجهة الجميع. واليوم، يمكن للحكومات الأجنبية والقراصنة الخارجيين استخدام الأدوات نفسها التي كنا نخشى جميعاً من أن تستخدمها الحكومة الأميركية. وأصبح الأمر كفيلاً بأن يجعلنا نتمنى الأوقات البسيطة في الماضي، عندما كان أكبر تهديد لخصوصيتنا ناشئاً عن حكومة بلادنا!* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»
مشاركة :