انطلاقاً من سياسة المملكة الداعمة لجهود إحلال السلام ومواجهة الإرهاب، واستجابة لطلب المعارضة السورية، يعقد اجتماع موسع في مدينة الرياض بهدف التقريب بين أطرافها ومنصاتها وتوحيد وفدها المفاوض لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة، حيث تحتضن العاصمة الرياض الأربعاء المقبل اجتماعاً موسعاً لها بمشيئة الله خلال الفترة من 4- 6 ربيع الأول 1439هـ، الموافق للفترة من 22- 24 نوفمبر 2017م. ومنذ اندلاع الأزمة في سورية 2011 كانت المملكة حاضرة لتمد يد العون إلى الأشقاء السوريين على كافة الأصعدة حيث فاق عدد السوريين المقيمين في المملكة المليونين ونصف كما أنهم لا يسمون لاجئين لأنهم يتمتعون بالإقامة القانونية، ما يسمح لهم بالوصول الكامل إلى المدارس والمستشفيات والسكن وفرص العمل. أما الدعم الإغاثي واللوجستي الذي قدمته المملكة لسورية ففاق في العام 2017 الـ700 مليون دولار لتكون المملكة أكبر المانحين العرب في الملف السوري. سياسياً؛ كان للمملكة منذ البداية دور إيجابي هدف إلى لم شمل المعارضة السورية وتقديمها كبديل مناسب يقبل به المجتمع الدولي لتحقيق الانتقال السياسي في سورية كما حرصت المملكة على التقريب بين المختلفين في المشهد السوري وتقديم الدعم عبر الخطوط القانونية دولياً بعيداً عن الدعم الحزبي والفصائلي الذي قامت به بعض الدول لتحقيق مصالحها الضيقة مما أطال عمر الأزمة وهيأ مناخاً دولياً غير متحمس لإنهاء الوجود الإيراني في سورية. اليوم ورغم انشغال الرياض بنهضة داخلية وحملة تحديث تشمل كل قطاعات البلاد مع استمرار حملة الحزم على مليشيات إيران في اليمن حافظت الرياض على دورها كقبلة لإرساء السلام وتقريب وجهات النظر بين الفرقاء في المنطقة إذ تستعد الرياض لجمع الأطراف السورية في وقت فقد فيه الداعمون أي بارقة أمل تشي باقتراب الحل في سورية حيث رفضت الرياض إرسال حلفائها من المعارضة السورية إلى جنيف بموقف الضعيف، المهزوم على الأرض والمجبر على تقديم تنازلات على طاولة الحوار، فكان أن أطلقت الرياض اجتماعاً موسعاً للمعارضة السورية يهدف إلى "التقريب بين أطرافها ومنصاتها وتوحيد وفدها المفاوض لاستئناف المفاوضات المباشرة في جنيف تحت إشراف الأمم المتحدة" لتجنب ذهاب المعارضة إلى جنيف وهي على خلافات فيما بينها من شأنها أن تعطي النظام ذريعة مجانية للمماطلة بإيجاد حل وبدائل لحكم الأسد في سورية بحجة تشرذم المعارضة وعدم اتفاقها لذلك جعلت الرياض شعار "توحيد المعارضة" أولوية لمؤتمر الرياض. كما يهدف المؤتمر إلى إجراء تغييرات جوهرية في هيكلية الهيئة، التي انبثقت عن مؤتمر "الرياض 1" أواخر عام 2015، والذي صدر عنه بيان بات من أهم الوثائق السياسية للمعارضة السورية، ونص على إجراء مفاوضات مع النظام تنتهي بحل يقوم على انتقال سياسي وفق قرارات دولية، أهمها بيان "جنيف 1" الذي ينص على إنشاء دولة تعددية ديمقراطية في سورية أما التحدي الأبرز للمعارضة في مؤتمر الرياض والذي يتوقف عليه قيام مؤتمر جنيف كما لمح "دي ميستورا" فيكمن في تشكيل وفد واحد متماسك ومتفق على الأولويات للمشاركة في جنيف يضم ممثلي عن الهيئة العليا للمفاوضات ومنصتي القاهرة وموسكو. وصرح منذر اقبيق لـ"الرياض" الناطق الرسمي باسم تيار الغد السوري المعارض وأحد المشاركين في مؤتمر الرياض: "دور المملكة في لم شمل المعارضة وتوحيدها كان لافتاً منذ البداية مضيفاً بأن تيار الغد يؤيد سياسات المملكة الفاعلة على عدة جبهات والرامية إلى حماية الأمن القومي العربي ومواجهة التهديدات والتدخلات الإيرانية في عدة بلدان عربية بما فيها سورية كما يشاطر السوريون الدول العربية رغبتهم في مواجهة التطرّف والإرهاب والقضاء عليه في المنطقة برمتها إذ تعتبر المعارضة القضاء على الإرهاب تحديا وهدفا استراتيجيا". ورغم عدم توفر معلومات كاملة بعد عن المشاركين في مؤتمر الرياض يرى آقبيق أن التركيبة الجديدة سوف تعطي وزناً أكبر لأطياف المعارضة التي تتبنى مواقف أكثر واقعية وعقلانية من تلك التي تتبنى خطاباً مزاوداً وشعبياً بدون عمل جاد يؤدي إلى نتائج ملموسة، كما لا يرى آقبيق إمكانية للحل في سورية دون مشاركة أوسع لكل الأطراف في مؤتمرات المعارضة ولا يرى بداً من دعوة حزب الاتحاد الديموقراطي و(قسد) فمن شأن مشاركتهم أن تعطي زخماً وقوة أكبر للمعارضة في ظل سيطرتهم على مساحات واسعة من سورية، أما الضغط لإقصاء بعض الجهات فهو غالباً مطلب تركي، الأمر الذي نعارضه تماماً حيث لا نريد لأي أحد أن يقوي طرفاً سورياً على آخر أو يعطيه الغلبة أو الهيمنة على الآخرين وإنما نرغب بالوصول لصيغة تشاركية تحفظ حقوق ومصالح الجميع إذا أردنا الوصول لحالة استقرار مستدامة. وأخيراً يؤكد د. آقبيق أن نظام اللامركزية الموسعة أصبح خياراً لأغلب السوريين من أجل المستقبل يتم ذلك عبر منح المناطق قدرة على إدارة شؤونها ذاتياً مع الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً، واللامركزية هي نوع من الفيدرالية بشكل أو آخر، أما الصيغة النهائية لهذا الأمر فيجب أن يتم الاتفاق عليه ضمن حوار وطني يضم جميع الأطراف لإيجاد عقد اجتماعي جديد وصالح، مذكراً بأن الموازين الميدانية تغيرت كثيرا خلال السنتين الماضيتين، وهو أمر يجب على المعارضة أن تعيه، وتتحرك سياسياً ضمن تلك المعطيات، فمن الواضح أنه لا يوجد حل أو انتصار عسكري، وإنما حل سياسي تفاوضي بصيغة لا غالب ولا مغلوب، يؤدي إلى تحقيق طموحات الشعب في الانتقال الديمقراطي وإعادة توحيد البلاد، وإعادة الإعمار. وفي المقابل لا يمكن اعتبار النظام بحكم المنتصر بل الدول التي تدخلت عسكرياً وأصبح لديها نفوذ وتتحكم في أوراق اللعبة هي من انتصر ويمكنها اليوم أن تفرض حلولاً على الجميع نظاماً ومعارضة ودورنا هو في العمل والضغط على هذه الأطراف المتحكمة بالقرار السوري للوصول إلى حلول تحقق ولو الحد الأدنى من التطلعات المشروعة للشعب السوري في إنهاء حقبة الاستبداد والفساد التي حكمت البلاد منذ عام 1963، وبدون السوريين لن يكون هناك حل لسورية وعلى السوريين أن يرتقوا إلى مستوى الحدث ويتفقوا فيما بينهم على دستور جديد ومرحلة انتقالية تنتهي بانتخابات تشريعية وتنفيذية إذا كانوا يريدون أن يكون لديهم وطن اسمه سورية.
مشاركة :