في ثمانينات القرن المنصرم، كانت الكويت لنا منبراً ثقافياً يحتاجه كل قارئ خليجي، من خلال تلك المكتبات التي تعج بالكتب الثقافية والسياسية الرائعة، ومعرض الكتاب الذي كان قبلة لجميع الناشرين، وملتقى ثقافيا يحج إليه كل الكتّاب. في تلك الأثناء كانت معارض الكتب في الخليج شحيحة وشبه موقفة في السعودية، باستثناء معرض الشارقة الدولي، لذا كان معرض الكويت منارة للكتاب والمثقفين من كل انحاء الخليج، لكن وزارة الثقافة في المملكة العربية السعودية تنبهت بأن تدهور الحالة الثقافية كان بسبب تغلغل تيارات الصحوة في المجتمع، لذا أولت معرض الرياض الدولي للكتاب اعتبارات خاصة، منها فسح جميع الكتب التي كانت ممنوعة، وذلك من خلال يقينها بأن الكتاب هو سبب تقدم المجتمعات ورقيها، وأنه لا يقود لحالة من الإرهاب ولا يمكن أن يكون سلاحاً تدميرياً بقدر ما هو تنويري، لذا اتخذت خطوات عدة أهمها مراجعة قوائم الكتب الممنوعة سابقاً وإعادة فسحها، حيث كان لتيار الصحوة دور كبير في مصادرة الفكر الداعي الى التنوير والتوغل في الفكر الداعي الى التشدد، وقد بدأ تراجع هذا الفكر يتعرى بسبب الحالة التي وصلت لها السعودية من تغلغلهم في كل الأجهزة التعليمية منها والثقافية والاجتماعية، مما جعل هناك حالة نفور جماهيري من هذا التيار تتجلى بشكلٍ واضح عندما تزور معرض الرياض الدولي للكتاب وتجد الاقبال الجماهيري على الكتب التنويرية وانسحابهم من الكتب الدينية، واصبح دخل معرض الرياض يتعدى الـ100 مليون ريال سعودي (ما يعادل 270 ألف دولار). ولو عدنا قليلاً عن أسباب توقف المعارض قرابة 25 عاماً، نجد أن الأسباب هي قيام فريق من المحتسبين في السعودية يدعون الوطنية والخوف على الدين من الكتاب بتقديم تقاريرهم السرية عن كل كتاب يمكن أن يتم فسحه، تارة بأنه يشوه الدين، وتارة بأنه يحمل أفكاراً إلحادية، فتكتفي وزارة الاعلام حينها قبل ان تصبح «الثقافة»، بأن تمنع الكتب بدلاً من دراستها ومعرفة الخلفيات التي ينطلق منها «المحتسب»، وبعد مراجعتها لأسباب توقف المعارض وضرورة عودتها مرة أخرى، قامت بكف يد المحتسبين الذين يعتقدون أن الكتاب سيكون مفسدة، وأنه يدعو الى الانحلال، وبهذا أصبح معرض الرياض علامة مميزة بين جميع الناشرين العرب الذين يتسابقون للسماح لهم بالدخول في مضمار السباق. وهنا نجد المفارقة بأن بعض الدول قامت بالتراجع عن حرية الفكر التي كانت تتمتع بها، وأصبحت تستمع لتلك الأصوات هنا أو هناك، طالبة منع الكتب وإيقاف الكتاب ومحاسبتهم، وهذا ما يجعلني أتساءل: كيف نستمع له ونحاسب العقل التنويري؟ المجتمع العربي اليوم، قبل الخليجي، أصبح بحاجة الى دفع التيارات التنويرية الى المقدمة، واتاحة الفرصة لهم في اعتلاء المنابر والمناقشات الفكرية الحقيقية والتوقف عن دعم فكر يدعو الى «الانتحار» رغبة في الوصول الى «الحور العين»، فقد أتيحت الفرصة لتيار «الصحوة» خلال الـ25 سنة ماضية بأن يعتلي المنابر ما بين المسجد والجامعة، ويتغلغل في فكر الشباب ويخرج لنا «قنابل موقوتة» تقف ضد الرقي المجتمعي، ومطالبة بالتراجع في كل العلوم الحياتية. لذا علينا دعم الكتاب وعودة الروح لجيل من الشباب يعشق الحياة. عبدالوهاب صالح العريض** كاتب وصحافي سعوديaloraid@gmail.com
مشاركة :