ما الذي يضير إن عمد فلسطينيو غزة إلى مواساة أنفسهم والتخفيف من ألم مصابهم الذي تركته حرب إسرائيل الأخيرة عليهم، فوجهوا أنظارهم إلى الجوانب الإيجابية التي تحققت لهم بعد توقف الحرب بدلا من الانكفاء على الذات والنواح؟!! حقيقة أني لم أفهم مطلقا أسباب هذه الحماسة التي تلبست بعض الكتاب للإقبال على كيل اللوم والتهكم والسخرية بأهل غزة لأنهم في هذه الحرب يرون أنفسهم منتصرين معنويا حتى وإن هزموا عسكريا!!! لم كل هذه الحماسة في السخرية؟ وما جدوى مثل هذا التقريع؟ هل هي رغبة الساخرين في تلقين حماس درسا بعدم التحرش مرة أخرى بالأسد؟ وهل يظنون أن حماس ستستفيد من توبيخهم لها وهي التي لم تفدها من قبل دروس الأسر والحصار والتنكيل والقتل التي تتدفق عليها من عام لآخر بلا توقف؟!! يؤسفني أن أقول إني شممت في تلك الكتابات بعضا من رائحة الشماتة والتشفي وسمعت نغمة نشازا هي أقرب أن تسمع من العدو لا من الأهل، فلم كل هذه القسوة على أهل غزة؟! نحن نعرف أن أهل غزة وكل الشرفاء الذين يقاتلون فيها، ليس من الصعب عليهم أن يتبينوا أن وزنهم في ميزان القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية لا يماثل ذرة من وزن عدوهم ولا يؤهلهم من قريب أو بعيد لمنازلة إسرائيل عسكريا، وأن الاستسلام لإسرائيل والانضواء تحت احتلالها هو أدعى أن يكفل لهم حياة لينة خالية نسبيا من المشاحنات والقتل، هم يدركون ذلك جيدا، فإدراك مثل هذه المعادلة ليس بالأمر العسير ولا يحتاج إلى كبير ذكاء، أو إرشاد من أحد. لكني أظنهم ليسوا من الذين يفضلون عيش اللين والدعة مقابل الرضا ببذل الحرية والعزة، وربما لهذا هم يؤثرون التعرض للقتل والعيش في شظف على أن يحيوا برضاهم وموافقتهم حياة الرق والذل. مثل هذه الاختلافات في النظر إلى الأشياء والمواقف هي ما يصنع الفرق بين إنسان وآخر، وشعب وغيره، فإن كان هذا هو الاختيار الذي رضيه أهل غزة، فإنه ليس مبررا أن يتخذ اختيارهم مدعاة للتهكم بهم والسخرية من موقفهم الذي فضلوه على غيره. مطالبة غزة بأن تخضع لتناول جرعة المورفين التي ينصح بها أولئك الكتاب بغية تسكين آلامها ونسيان همومها، لا يعني شفاءها مما تعانيه من وباء يسري في أوصالها وينهك قواها، لذلك هي ترفض تناول المورفين أو غيره من المسكنات فلسان حالها: فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدى
مشاركة :