طلال عوكل يكتب: العاقل يقرأ المكتوب من عنوانه

  • 11/19/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يجد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه وإدارته مضطرا لأن يتخذ وضعية الوسيط النزيه والموضوعي، أو المحايد فيما يتصل بطبيعة الحل السياسي، الذي تسعى الولايات المتحدة لفرضه أو التعامل معه فيما يخص الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي. في السياسة لا قيمة للأخلاق أو الخجل أو حتى الالتزام بالقوانين والقرارات التي تصدر عن الشرعية الدولية، فهذه كلها تسقط قبل دخول الأطراف من بوابة المفاوضات. أما ما يحضر على الطاولة فهو لغة المصالح، المستندة إلى موازين القوى. بمراجعة السياسة الأمريكية منذ عهد بوش الإبن، الذي تبنت إدارته رؤية الدولتين، وتضمنتها في حينه خارطة الطريق قبل خمسة عشر عاما مرورا بفترتي الرئيس باراك أوباما، يمكن التوصل إلى نتائج حاسمة بشأن تراجع السياسة الأمريكية إلى أن وصلت حد التطابق مع السياسة الإسرائيلية. لا يحتاج المرء لأن يصدق أو لا يصدق التسريبات الإعلامية التي تحدثت مؤخرا عن رؤية أمريكية لما يعرف “بصفقة القرن”، ذلك أن أفضل ما يمكن توقعه من السياسة الأمريكية لا يرقى إلى الحد الأدنى من متطلبات تسوية تستهدف إنهاء الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. وإذا كانت السياسة الأمريكية قد دأبت على الانحياز للسياسة الإسرائيلية فإنها في عهد الرئيس ترامب، تتجند بالكامل لفرض المخططات والأهداف الإسرائيلية على الفلسطينيين وغير الفلسطينيين في هذه المنطقة. في بداية عهده هدد الرئيس ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لكنه أجل هذا القرار لاستخدامه في الضغط على الفلسطينيين الذين عليهم الانصياع للإرادة الأمريكية الباحثة عن “صفقة القرن”، علها في حال نجاحها تمنح ترامب مزايا النجاح في هذا الملف المعقد، الذي فشلت الإدارات السابقة في إغلاقه. ومنذ أيامه الأولى أيضا، أوقف ترامب تنفيذ قرار كان قد اتخذه سابقه باراك أوباما ويقضي بمنح السلطة الفلسطينية 200 مليون دولار دعما لموازنتها. ومنذ الأيام الأولى لعهد ترامب لم يتوقف الكونغرس عن إصدار قوانين أو التهديد بإصدارها كعقاب أو للتهديد بمعاقبة الفلسطينيين. أما المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة السيدة هايلي فقد أعلنت أنها ستتجند لحماية إسرائيل في الأمم المتحدة، التي تراها منحازة للفلسطينيين، وقد أكدت مصداقية ذلك الالتزام في اليونسكو ومجلس حقوق الإنسان وعديد المؤسسات الدولية. ومع اقتراب وقت التحرك الأمريكي نحو محاولة فرض “صفقة القرن”، حيث يقول وزير الخارجية ريكس تيلرسون إن أمام الرئيس ترامب 90 يوما ليفعل هذا الملف، يطلق تيلرسون المزيد من التهديدات لمنظمة التحرير الفلسطينية. لا حاجة لأن يذكرنا تيلرسون بوجود قوانين أمريكية تخول إدارته إغلاق مكتب بعثة المنظمة في واشنطن. لدى تيلرسون شرطان لبقاء مكتب المنظمة مفتوحا، الأول أن يقرر الفلسطينيون الانخراط على عماها في مفاوضات مباشرة ذات مغزى مع إسرائيل. والثاني أن يتوقف الفلسطينيون عن دفع المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة إسرائيل على جرائم ارتكبتها بحقهم. الولايات المتحدة لا تكتفي بتوظيف إمكانياتها الذاتية للضغط على الفلسطينيين وإنما تجند حلفاءها وبعض الدول الصغيرة والفقيرة، وحتى بعض الدول الغنية التي توافقها السياسة ذاتها. في هذه الفترة من الصراع الذي يضرب المنطقة العربية والإقليم، وفي ظل التهديد الذي تتعرض له بعض الدول العربية، تحاول الولايات المتحدة استغلال هذه  المناخات الضاغطة من أجل ترويض كل من له علاقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لصالح رؤيتها ومصالحها وأهدافها. وفق السياسة الأمريكية، لا ينبغي للفلسطينيين أن يحركوا ساكنا إزاء الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل عليهم وعلى أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم، وما عليهم إلا أن ينتظروا “الكرم الأمريكي” . وبالنسبة للولايات المتحدة ينبغي على الفلسطينيين أن يتوحدوا، على ما تراه وتمارسه من شروط وقيود، فإن كان الأمر على غير هذا النحو فإن بعضهم يكون إرهابيا وبعضهم الآخر لا يجيد اقتناص الفرص وعليه أن يتعرض للعقاب. في ضوء ذلك فإن مسؤولية العرب اليوم تخضع لامتحان التوحد حول حقوقهم، بما في ذلك الحقوق الفلسطينية. إذا ينبغي أن تتقدم المجموعة العربية برؤيتها كاملة، وبكل الوضوح اللازم، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام رؤية تبلورها الإدارة الأمريكية وتضعهم أمام سؤال (إما أو؟). يشترط هذا السلوك العربي المأمول، أن ينجح الفلسطينيون بكل السرعة اللازمة في استعادة وحدتهم ورص صفوفهم، ذلك أن الأخطر قادم عليهم وعلى قضيتهم وحقوقهم. هذا الذي يجري في هذه الأيام، وما تحمله الأشهر القريبة القادمة، لا يمكن أن يقرر مصير القضية الفلسطينية ولا ينطوي سوى على خيار واحد، وهو الانتقال إلى مرحلة الصراع المفتوح، ونهاية خط ومنهج اعتماد المفاوضات سبيلا لانتزاع الحقوق وتحقيق السلام.

مشاركة :