طلال عوكل يكتب: لا بديل عن الغاء الوعد من أساسه

  • 11/5/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان سفر التاريخ الفلسطيني المعاصر، طافح بالأحداث والمناسبات والنكبات والجرائم المؤلمة، فإن مناسبة صدور وعد بلفور هي المؤسس لكل هذه الأحداث. هذه الحقيقة التي لا تقبل الجدل أو الاختلاف، تستدعي التعامل مع هذا الوعد بأشكال ووسائل ومضامين مختلفة ولتحديد أهداف أكثر جرأة وجذرية. لا يجوز إطلاقا أن تقتصر فعاليات الفلسطينيين على اليوم من السنة الذي تحل فيه هذه الفاجعة، أو ان تظل السياسة العامة الفلسطينية تراوح بين التردد والمجاملة. خلال السنوات الماضية، خصوصا مرحلة الانقسام، اقتصرت نشاطات الفلسطينيين الاحتجاجية على بعض المسيرات الشعبية والبيانات والتصريحات المنددة والمستنكرة، واتستمت بالضعف والتشرذم إلى أن ظهر في الخطاب السياسي الرسمي، مطالبات لبريطانيا بالاعتذار والاعتراف بالدولة الفلسطينية. طبيعة الوعد المشؤوم، تستدعي أن تكون المطالبات الفلسطينية جزء أساسي من السياسة اليومية حتى لو كان ذلك سيستفز السياسة البريطانية التي لم تغادر يوما سياساتها ومواقفها الداعمة للمنتج المسخ لذي أفرزه ذلك الوعد. لم يكن ثمة ما يبرر الانتظار والفحص، فها هي رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي تعبر عن اعتزاز بلادها بما فعل اسلافها، وتمعن بالتمسك بما فعلت من خلال الاحتلال بمئوية الوعد. صحيح أن الولايات المتحدة قد أصبحت بعد الحرب العالمية الثانية، الراعي والداعم الأكبر والأساسي لدولة إسرائيل، غير أن بريطانيا أولا وأخواتها الأوروبيات ثانيا، ما تزال مخلصة لما بدأته. هذا الإخلاص من قبل الدول الرأسمالية، التي لم تغادر منطقها الاستعماري، يقدم الشاهد الأبرز على الطبيعة الوظيفية للمشروع الصهيوني ومنتجاته. ثمة ثلاث أهداف من وراء دعم وإنجاح المشروع الصهيوني الذي ظهرت ملامحه في مؤتمر بازل بسويسرا عام 1897. الهدف الأول هو زراعة ما تعتبره الدول الاستعمارية شعبا مغايرا لقطع الطريق بين مشرق الوطن العربي ومغربه. والثاني التخلص من المجتمعات اليهودية التي رفضت الاندماج في مجتمعاتها الأصلية، وشكلت إزعاجا للطبقات الرأسمالية الحاكمة. أما الهدف الثالث فهو إقامة رأس حربة في المنطقة لمنع وحدة شعوبها وتقدمها ولخدمة المصالح الاستعمارية في هذه المنطقة الاستراتيجية المليئة بالثروات الطبيعية. ولكن إذا كان وعد بلفور الذي تجندت بريطانيا وأخواتها لتنفيذه بنجاح على أرض الواقع، قد أشار في متنه إلى ان تحقيق هدف إقامة وطن قومي لليهود، لا يعني انتقاص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، إلا أن الدول الاستعمارية ترفض الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني كما وردت في الوعد. قبل عام واحد من اعلان قيام دولة اسرائيل، أي عام 1947 صدر قرار الأمم المتحدة 181، أو ما يعرف بقرار التقسيم، لكن الدول الاستعمارية التي وافقت على ذلك القرار لم تفعل شيئا لضبط الحركة الصهيونية وإسرائيل ضمن الإطار الذي حدده الوعد ولاحقا قرار التقسيم. تحت سمع وبصر الدول الاستعمارية تابعت الحركة الصهيونية سياساتها التوسعية، وفق الأهداف التي حددتها هي وليس الأهداف التي حددتها الدول الاستعمارية وهي لا تزال تعمل تحت راية ” أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل”. وفي الحقيقة فإن إسرائيل لا تزال تعمل وفق مواصفات الغيتو اليهودي، الذي عرفته المجتمعات التي عاش فيها اليهود قبل انتقال نصفهم إلى فلسطين. إسرائيل لم تنجح في أن تطبع علاقاتها ووجودها مع شعوب المنطقة، حتى التي أقامت معها اتفاقيات سلام مر عليها عقود طويلة. التجربة تثبت أن إسرائيل لا تستطيع أن تعيش في أجواء طبيعية وأن تتعايش مع محيطها وهي تسوق نفسها بحكم طبيعتها نحو أن تكون دولة عنصرية بامتياز، الأمر الذي سيجعلها يبرطوما عبئا ثقيلا على خالقيها. قد يقبل بعض الفلسطينيين أن تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية، والمراهنة على أن ذلك في حال وقع سيدفع العديد من الدول الاستعمارية لأن تحذو حذو بريطانيا، غير أن هذا لا يمكن أن يكون كافيا أو مقبولا من الشعب الفلسطيني. تعرف بريطانيا أهمية وتداعيات الاعتذار عن الوعد الذي أصدره وزير خارجيتها الشهير، ذلك أن هذا الاعتراف من شأنه أن ينسف كل المشروع الصهيوني ويحمل بريطانيا المسؤولية عن تعويض الشعب الفلسطيني. لذلك لا يجوز الاكتفاء بالمطالبات النظرية الموسمية أو الفصلية، إذ لابد من تصعيد الضغط على الحكومة البريطانية بوسائل فعالة أكثر من مجرد إصدار البيانات وإلقاء الخطب الرنانة. لا نقصد من ذلك إعلان الحرب على بريطانيا أو ممارسة العنف ضد مصالحها، ولكن المطلوب تفعيل دور ونشاطات الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية، ومواصلة العمل بقوة على خط تغيير وتعميق وعي المجتمع البريطاني بحقائق الصراع. و بموازاة ذلك تفعيل الدور الجماعي العربي، نحو حمل هذا الملف إلى المحاكم الدولية خصوصا وأن هذه الحقوق لا تسقط بالتقادم. الحقوق الفلسطينية الأساسية لا تسقط حتى لو أن التحركات السياسية أنتجت شكلا ما من أشكال الحل السياسي، ذلك ان عوامل الصراع موجودة في كل زاوية من زوايا المنطقة وعلى الأرض الفلسطينية بما في ذلك التي تقيم إسرائيل عليها نظامها العنصري.

مشاركة :