حاورها: محمدو لحبيب حين تقرأ روايتها «زرايب العبيد»، تجعلك تحاصر ألمك أو يحاصرك هو أمام عدة أسئلة عن الحرية والعدالة والتراتبية المصطنعة للإنسان في مواجهة أخيه الإنسان. تبدو الروائية الليبية الدكتورة نجوى بن شتوان مهتمة وغائصة حتى الأذنين في قضية الرٍق ومكافحة آثاره الاستعبادية ليس في ليبيا فقط، وليس كحالة نمطية عادية، فهي إلى جانب كتابتها لروايتها «زرايب العبيد» التي وصلت للقائمة القصيرة للبوكر العربية 2017، أعدت ونالت دكتوراه عن الرق في العاصمة الإيطالية روما، وتشعرك من خلال التحاور معها بأنها تقصد المعنى العام للعبودية وبكل أشكالها الاجتماعية والاقتصادية وغيرها. أصدرت نجوى بن شتوان عدة روايات كما أنها تكتب المسرح، وقد فازت روايتها «وبر الأحصنة» بجائزة مهرجان البجراوية الأول 2005، وفازت مسرحيتها «المعطف» بالجائزة الثالثة لمهرجان الشارقة للإبداع العربي في دورته السادسة سنة 2002، كما نالت جائزة مؤسسة هاي فيستيفال في بيروت، لأفضل 39 كاتباً عربياً للعام 2009، وهي إلى ذلك كاتبة مقال وأستاذة جامعية، تقيم حاليا في العاصمة الإيطالية روما.«الخليج» حاورتها على هامش مشاركتها في الدورة السادسة والثلاثين لمعرض الشارقة الدولي للكتاب عن حكايتها مع العبودية، وكيف ولدت رواية «الزرائب» كما تفضل أن تسميها، وما مدى علاقتها بالمغترب إيطالياً، ونظرتها لموضوع الثقافة وفعلها المقاوم.من وجهة نظرك، كيف يمكن أن تسهم الرواية العربية في إرساء ثقافة حب الحياة بدل التطرف والإرهاب والقتل العشوائي؟- نحن نمارس ككتاب هذا الدور المقاوم ربما دون أن نشعر، فمثلا تكتب المرأة نجوى بن شتوان عن العبودية، فهي إذاً تقاوم، وما كانت تمارسه داعش بالأمس القريب يشبه إلى حد ما نفس واقع العبودية في رواية «زرائب العبيد»، إذاً فنحن بطريقة ما نقاوم التطرف تلك الثقافة المدمرة.وصلت روايتك «زرايب العبيد» إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية 2017، كيف تنظرين إلى الجوائز بشكل عام، وهل ترين أنها يمكن أن تصنع كاتبا؟- يجب ألا نحمل البوكر أو غيرها من الجوائز أكثر من دورها، هي جائزة تجتهد أن تقدم كاتبا جيدا.كتبتٍ «زرايب العبيد» التي كانت سفرا حقيقيا عن العبودية في إفريقيا وليس في ليبيا وحدها، ثم أنجزت أطروحة دكتوراه في إيطاليا عن الرق، كيف تفسرين للقارئ اهتمام نجوى بن شتوان بهذا الموضوع واستغراقها فيه إلى هذا الحد؟- جاء اهتمامي متتابعا، فرضه توقيت انشغالاتي، أنا اشتغلت على موضوع الدكتوراه عن الرق سنة 2014 ولمدة ثلاث سنوات، لذلك من الطبيعي جدا أن أكون في أجواء الرق والعبودية ومشكلاتها في تلك الفترة وبشكل معمق، أما رواية «زرايب العبيد» فقد كتبتها أولا كقصة قصيرة سنة 2006، وتركتها لأني شعرت بأن ثمة حاجة لتمديد هذه القصة وتحويلها إلى ما هو أكبر، فتركتها تنمو معي، وبعد أربعة سنوات وأنا أعيش مع موضوع الرقيق كباحثة، وجدت عندي معلومات كثيرة ومتنوعة وعميقة حول الموضوع، مما حدا بي إلى توسيع حكاية «الزرائب» لتخرج رواية «زرائب العبيد» فيما بعد بهذا الشكل الذي ترونه.كليبية لماذا اخترت موضوع الرق والعبودية كي تعالجيه بهذه الكثافة المتعددة؟- في الرواية كنت أريد أن أكتب، وشعرت بأن لحظة الكتابة قد جاءت، وقررت أن أتم موضوع الحكاية التي كتبتها أولا كقصة قصيرة كما أسلفت، وأن أحولها لرواية، وفي الدراسة والبحث كان لا بد أن أختار موضوعا يهم ويتعلق بليبيا التي ابتعثتني وصرفت علي المال كي أدرس وأتعلم، لذلك اخترت موضوع الرق والعبودية.في الرواية تحكين سرديا وضمن تداخلات متشابكة عن حكاية السيد محمد بن شتوان، وأنت نجوى بن شتوان، هل يُفهم من هذا التطابق في الاسم العائلي بينك وبين بطل من أبطال روايتك، أن الرواية تكتب جزءا ما من سيرة حياتك وحياة عائلتك؟.- لا، أنا استخدمت الأسماء العائلية لي، للفرار من استخدام أسماء الآخرين، لأنه من وجهة نظري لا يمكنك أن تحكي عن الرق عندنا دون استخدم أسماء ليبية حقيقية، وأنا لا أريد أن أصطدم مع أي أسماء أخرى، هذا من جهة، من جهة أخرى فإن تيمة العبيد والحب والعبودية والتجارة والمشاكل العائلية، هي جزء مني ومن كل ليبي، فزرائب العبيد يمكن اعتبارها من هذا المنظور تاريخا لليبيا، أو تاريخا للشخصية الليبية والنمو التدريجي الذي سارت عليه حتى وصلت مرحلة الحكي، هي قصتنا نحن، هي قصة كل فرد ليبي بمن فيهم نجوى بن شتوان نفسها.في اغترابك في روما العاصمة الإيطالية، عُرف عنك من خلال مقالاتك أنك تعشقين محطة روما تيرميني، وألفت كتابا يحمل عنوان «روما تيرميني»، تقولين عنها: «في محيط التيرميني، تختفي إيطاليا التي توفر المكان، حتى لا يبقى ما هو إيطالي سوى القطارات والمحطة والقهوة والكنترول، تختفي روما ليطل العالم بروائحه المكثفة»، هل يعني هذا أنك تؤيدين ذوبان الهويات في بوتقة ما يعرف بالمواطن العالمي؟- أنا لا أؤيد هذه النظرة، بل أعتبرها نظرة حادة جدا، فالمواطن هو مواطن عالمي منذ بدأ الله الخليقة وحتى الآن، بالنسبة للهوية ومسألتها شهدت تلاعبا فكل واحد كان يحتل أرض الآخر ويستولي عليها، كان يفعل ذلك بحجة الهوية، لكن لا أظننا وصلنا إلى هذا المعنى الذي ذكرته.في مقولتي السابقة التي أوردتها في سؤالك، كنت أتحدث عن العالم حين يذوب في نقطة واحدة، حين تجد نفسك أمام هذا التنوع، وأنت تشاهد مثلا أكثر من قناة تلفزيونية في نفس الوقت، وأن تكون تحت دهشة الملاحظة وأنت ترى الآخرين والآخرون يرونك، أنت هناك في عالم يضج ويموج بكل هذا التنوع والاختلاف، فتقول سبحان الله الذي صنع كل هذه الأذواق والأجناس والأنواع، فأنت هنا تعود إلى ذاتك، ولكن في نفس الوقت تتمدد إلى ذوات الآخرين، و«روما تيرميني» بالذات هي النقطة الجامعة في كل إيطاليا، وإيطاليا هي منتصف قارة أخرى بالنسبة لنا نحن العرب والجنوبيين والأقرب إلينا جغرافيا.حسناً ما دمنا في إطار تذكر الذات والهوية في كنف الغربة والعالم المتعدد الذي يجتمع فيها، ذكرت ذات مرة أنك حين وصلت إلى قمة الفاتيكان أطلقت «أذانا» هناك، كيف تفسرين ذلك؟- الأمر طريف بالنسبة لي في إطار هذه الحادثة، ولا علاقة له بالمعنى العميق لصراع الهويات والعالمية، فحين أردت الذهاب إلى قمة الفاتيكان كسائحة، دفعتُ خمسة يورو، وربما كبرت عليهم لأنهم جعلوني أدفع هذا المبلغ كله لكي أصعد الدرج نحو قمة الفاتيكان، وأردت من جانب آخر أن تستوفي زيارتي كل مضامينها الثقافية. ينقل عنك أيضا في إطار رفضك للهويات الدامية التي يروج لها المتطرفون، أنك تكرهين الشاعر الذي يكتب قائلا: إن أجمل الأمهات من انتظرت ابنها وعاد لها «شهيدا»، كيف ذلك؟.- أنا أؤيد الحضارة والثقافة التي تنهض بالحياة ولا تتغزل بالموت، لماذا تكون أجمل الأمهات من تنتظر ابنها ليعود ميتا، لماذا لا تنتظره أن يعود من الجامعة، من السوق، من لقاء حبيبته، من حفل تخرج؟، لماذا عليها أن تنتظره جثة؟.تقولين عن نفسك أنك كاتبة شاملة بالقدر الذي تتجزئين فيه، كيف أسقطتٍ هذه المقولة على كتاباتك في «زرائب العبيد»؟- أحاول أن أصنع فسيفساء، فالتيمة الأساسية في الزرائب هي العبودية، لكن تحتها تجد غناء «المرسكاوي»، الفلكلور، العادات والتقاليد، المشاكل الاجتماعية، قصة الحب، تجد اللغة الشعرية الرومانسية في التغزل بتراب الوطن، وبقيم الحياة وبقيمة التسامح، هذه إذا تجزئة.
مشاركة :