سعت إيران خلال الأعوام الأخيرة لتقوية وجودها ونفوذها في سوريا، والأمر في محصلة ما يظهر، كأنها حققت نتائج تُعادل - أو تفوق - ثمار مساعيها طوال أكثر من 3 عقود مضت من العلاقات الإيرانية - السورية، التي ازدهرت بعد وصول الملالي إلى السلطة عام 1979، حتى اندلاع ثورة السوريين في عام 2011.ولا يحتاج إلى قول، أن تعزيز نفوذ إيران في الأعوام السابقة، جرى بتأثير عوامل كثيرة، أبرزها إرث طويل من علاقات متواصلة، شهدت تحالفاً سياسياً وعسكرياً عميقاً بين نظامي الملالي والأسد، وكان أبرز تعبيرين لتحالفهما أمران: الأول، ما ظهر في الحرب الإيرانية – العراقية، حيث تطابق بصورة ضمنية موقفا الطرفين ضد العراق. والآخر، اتخاذ الطرفين موقفاً متماثلاً حول القضية الفلسطينية والصراع العربي - الإسرائيلي، حيث تبنى الطرفان فكرة المقاومة والممانعة، وجعلاها محور سياستهما الإقليمية.والعامل الثاني اندلاع ثورة السوريين ضد نظام الأسد (الابن)، والتي مثلت تحدياً عميقاً للنظام، وهدّدت استمراره، وفي الوقت نفسه شكلت تحدياً لاستراتيجية إيران في المنطقة، وهددت بفقدها قاعدة أساسية لامتداد سياستها في المجال العربي أولاً، وفي المجال الفلسطيني والصراع العربي – الإسرائيلي ثانياً.العامل الثالث والأهم، امتلاك إيران القدرة على فعل كل ما تريد في سوريا برضا وموافقة النظام، سواء كانت أفعالها تصبّ في سياق ما بنت أساساته في المرحلة السابقة من علاقتها مع النظام، أو كانت الأفعال في جملة خطوات جديدة، فرضتها مرحلة ما بعد ثورة السوريين، ووقوف إيران إلى جانب نظام الأسد إلى الحدود القصوى.العامل الرابع، عدم وجود أي جدية إقليمية أو دولية في مواجهة تنامي نفوذ إيران. بل إن ما حصل كان يشجع إيران، كلما خطت خطوة في هذا الاتجاه، أن تشرع في تنفيذ الخطوة التالية دون أي ردة فعل إقليمية ودولية، بما في ذلك محاسبتها على جرائمها بحق السوريين.وسط البيئة الأفضل تنامى النفوذ الإيراني في سوريا وتزايد، وأخذت تتوالى في الواقع الأهم ملامحه، وبينها قوة نفوذ إيران وتأثيرها السياسي على نظام الأسد، بحيث لم يعد لديه أي قدرة على اتخاذ قرارات دون الرجوع إلى الإيرانيين، ومما يدعم ذلك جملة مؤشرات أبرزها وجود القوات الإيرانية، خصوصاً قوات فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني، وانخراطها في الحرب على السوريين، بمشاركة جيش من الخبراء والمستشارين العسكريين والأمنيين، إضافة إلى وجود ومشاركة الميليشيات الشيعية التابعة لإيران، وأبرزها أربع: «حزب الله» اللبناني، و«الفاطميون» الأفغانية، و«الزينبيون» الباكستانية، و«كتائب أبو الفضل العباس» العراقية، وقد توج هذا الخط من نفوذ إيران بالإعلان عن إقامة قاعدة عسكرية بالقرب من دمشق.كما أن بين مؤشرات تزايد النفوذ الإيراني نمو أنشطة إيران في المجالات الاستثمارية لا سيما في المجالات النفطية والتجارية والعقارية، والتي بين مؤشراتها اتفاقات عقدها نظام الأسد مع إيران في قطاع النفط، بالتوازي مع ارتفاع حجم السلع الإيرانية في الأسواق السورية، وتواصل الهجمة الإيرانية لشراء العقارات في دمشق وريفها وفي السويداء ومناطق الساحل السوري.وثمة مؤشرات أخرى بينها توسع عملية تشييع سوريين في مناطق سيطرة النظام، لا سيما في أوساط العلويين، ونشر الثقافة الشيعية الإيرانية، وممارستها في الأماكن العامة على نحو ما حصل مؤخراً في سوق الحميدية قريباً من الجامع الأموي وسط دمشق القديمة.ورغم أهمية مؤشرات تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، فإنه لا بد من جملة ملاحظات بصددها، أبرزها أربع: الأولى، أنه يتم في مناطق خاضعة للنظام ولا يتعداه إلى المناطق الخارجة عن سيطرته، مما يعني محدودية انتشاره في الجغرافيا السياسية والبشرية. والثانية، أن أغلب الوجود الإيراني مرتبط بالنظام وبالعلاقة معه، وما ارتبط بالسوريين منه يكاد يكون محصوراً في الأوساط المؤيدة للنظام والحلقات النافذة فيه. والثالثة، أن هذا الوجود يتوسع في ظل حرب تشارك فيها إيران على السوريين، مما يعني أنها تنمو في ظل عداء الأكثرية السورية لإيران ووجودها وممارساتها على مختلف الأصعدة. والرابعة، أن تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، يترافق مع نمو وتصاعد الاعتراضات الإقليمية والدولية عليه، مما يجعله بين أسباب تصعيد مواجهات أطراف إقليمية ودولية مع إيران وأدواتها في سوريا، ولا تنفصل حالة العداء المتصاعدة مؤخراً لوجود «حزب الله» عن تلك الاعتراضات.وبطبيعة الحال، فإن الملاحظات السابقة، تؤشر إلى صعوبة استمرار وتكريس النفوذ الإيراني على المدى البعيد في سوريا، ليس فقط لارتباطه بنظام الأسد، وإنما بفضل الجرائم التي ارتكبها نظام الملالي طوال السنوات الماضية، الأمر الذي يعني أن مصير وجود إيران ونفوذها مرتبط بمستقبل النظام الذي قال المجتمع الدولي، إنه لا دور له في مستقبل سوريا، وإن السوريين الذين صنفوا نظام الأسد وحلفاءه من الإيرانيين والروس، لن يقبلوا ما صار إليه موقع إيران في سوريا، وسيحاربونه بكل الطرق والوسائل.
مشاركة :