تحتضن موريتانيا منذ العام 2012 عشرات الآلاف من اللاجئين الماليين، الذين فروا من الصراع المحتدم في مناطقهم بين الحكومة المركزية وجماعات متشددة في إقليم أزواد شمال البلاد، ورغم مرور سنوات عدة لا يزال هؤلاء اللاجئون ينتظرون حلم العودة إلى ديارهم ووضع حد لمعاناتهم القاسية، ولكن هذا الحلم يبدو أنه ما زال بعيد المنال. أزمة شمال مالي واحدة من الأزمات المزمنة في القارة الأفريقية، وشهدت نزاعات عدة وحروب في السابق بين سكان إقليم أزواد الذين يشكل الطوارق غالبيتهم وبين الحكومة المركزية في باماكو، ويعزى الصراع بالأساس لأسباب سياسية وعرقية، حيث يطالب الطوارق بالانفصال عن مالي وتأسيس دولة مستقلة خاصة بهم في أزواد، وهو إقليم صحراوي شاسع تبلغ مساحته 822 ألف كيلو متر مربع، أي ما يعادل 66 في المئة من مساحة مالي. ويشكو الطوارق وغيرهم من العرقيات في الإقليم، مثل العرب والفلان والسونغاي، من التهميش والحرمان وغياب الخدمات ومشاريع التنمية. ومع فشل الحكومة المالية في احتواء أزمة الإقليم المستمرة لعقود، أعلن في فاتح نوفمبر 2010 في مدينة تيمبكتو، إحدى أكبر مدن أزواد وأهمها، عن تأسيس الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وجاء في بيانها التأسيسي أنها «تنظيم سياسي أزوادي يمثل النهج السلمي للوصول إلي الأهداف المشروعة واسترجاع كل الحقوق التاريخية المغتصبة». انقلاب عسكري وفي 22 مارس 2012، شهدت مالي انقلاباً عسكرياً أطاح الرئيس توماني تورى، وسرعان ما استغلت حركة تحرير أزواد الحدث لتنقض على تمركزات الجيش المالي في الإقليم فتزحف عسكرياً وتسيطر عليه بشكل كامل، وتعلن عن ميلاد دولة أزواد المستقلة في 6 أبريل 2012، وقد وجدت الحركة دعماً كبيراً من جماعات عرقية ومتشددة تنشط في أزواد أهمها حركة أنصار الدين وحركة التوحيد والجهاد والحركة العربية لتحرير أزواد. ولكن لم يبث هذا التحالف طويلاً نظراً لاختلاف التوجهات والمبادئ بين مكوناته، وسرعان ما انقلبت أنصار الدين الأقوى عسكرياً على حركة تحرير أزواد وهزمتها وسيطرة على جل مناطق أزواد وأصبحت تهدد بالسيطرة على بقية الأراضي المالية بما فيها العاصمة باماكو، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تدخل فرنسا والاتحاد الأفريقي عسكرياً لقتال المتشددين ووقف زحفهم دون أن يتمكنوا حتى الآن من القضاء عليهم بصفة نهائية. مخيم أمبرة هذه الحروب الطاحنة دفعت ما يناهز 60 ألفاً من سكان أزواد أغلبهم من الطوارق إلى اللجوء للشرق الموريتاني والإقامة بمخيم خاص أقامته الحكومة الموريتانية لهم قرب مدينة باسكنو الحدودية، عرف المخيم في ما بعد بمخيم أمبرة، ووجد اللاجئون ترحيباً من الحكومة الموريتانية التي أكدت على لسان وزير داخليتها حينذاك أنها «لن تدخر جهداً في خدمة ضيوفها ولن تقصر في حقهم سواء تعلق الأمر بتوفير الأمن وغيره من ظروف الحياة الكريمة». وأن نزلاء المخيم ستتم معاملتهم مثل المواطنين الموريتانيين.لم تدخر موريتانيا والمنظمات الإنسانية ما أمكن من جهد لتوفير مستلزمات الحياة لهؤلاء اللاجئين. ومع الوقت نما المخيم بشكل كبير وتناثرت مئات الخيم فوق رمال تلك الصحراء اللامتناهية في الشرق الموريتاني، ظن ساكنو المخيم أن المقام هناك لن يطول بهم قبل أن تتاح لهم فرصة العودة مجدداً إلى منازلهم وقراهم التي غادروها خوفاً على أرواحهم، إلا أن الصراع الدائر كانت له كلمة أخرى. فالاقتتال بين أطراف النزاع استمر في الأعوام 2013 و2014، بوتيرة أشد بعد تدخل القوات الفرنسية وظهور العديد من الحركات الإرهابية المتشددة إضافة إلى تدفق هائل للسلاح من ليبيا بعد الإطاحة بنظام معمر القذافي، حيث أصبحت مخازن السلاح التي نهبت بعد سقوط النظام مغذياً رئيساً للحرب في شمال مالي، كما وجد الإرهابيون قاعدة خلفية في جنوب وغرب ليبيا حيث تسيطر جماعات إرهابية بين ليبيا ومالي عبر الصحراء المفتوحة.
مشاركة :