عملية اغتيال وتصفية قادة حركة أحرار الشام التي وقعت أخيراً، وذهب ضحيتها زعيم الحركة حسان عبود (أبو عبدالله الحموي) وقائدها العسكري، إضافة إلى أكثر قيادات الصفين الأول والثاني ليست مجرد ضربة موجعة على أتباع وأنصار الحركة، وإنما على المعارضة السورية. فحركة أحرار الشام تعتبر من أولى وأقوى الفصائل المسلحة التي أُسست وظهرت في الأراضي السورية، وقد استطاعت بما تتمتع به من شعبية وقدرة قتالية ومنذ تأسيسها فرْض نفسها كأحد أهم وأقوى الفصائل العسكرية، إذ خاضت معارك كثيرة مع قوات النظام، وسجلت باسمها عمليات سيطرة على المطارات والقرى والمدن في مختلف المحافظات، وقد عرفت هذه الحركة منذ بدايتها بأنها حركة سلفية جهادية، بصبغة محلية أو وطنية، وهو ما جعلها تختلف عن غيرها من التشكيلات السلفيّة بمحاولتها إسباغ مشروعها طابعاً مجتمعياً شاملاً. وبسبب ما تملكه الحركة من ثقل كانت تحرص عند الدخول في التحالفات والكيانات المحافظة على هويتها ورؤيتها، فهي حينما انسحبت من جبهة ثوار سورية كان لابتعادها عن الخط الإسلامي الصريح ومحاولة بعض مؤسسيها تسييسها، وحتى حينما تم تشكيل أضخم مشروع سياسي وعسكري جامع لأهم الألوية الإسلامية المقاتلة والمعتدلة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 المعروف باسم الجبهة الإسلامية، ما كانت الحركة لتكون عضواً إلا بعد أن نص ميثاقها على الدعوة إلى بناء دولة إسلامية السيادة فيها للشرع مرجعاً وحاكماً. ولكن مع الوقت والتجربة وفي ظل التطورات الميدانية وتغير موازين القوى أصبحت «أحرار الشام» تمتلك مرونة في تحديد أولوياتها وخياراتها، فبرز في تحركاتها وبشكل واضح تقديم الأولوية للعامل المصلحي للثورة السورية، وللجانب الميداني والتمويلي على حساب العامل والبعد الآيديولوجي، فقد شكل إعلان ميثاق الشرف الثوري بتوقيع الجبهة الإسلامية وفصائل أخرى أيار (مايو) 2014 نقطة تحول كبرى في مسار الحركة، إذ تخلت في بيان قرأه حسان عبود عن مطلب إقامة الدولة الإسلامية الوارد في ميثاق تأسيسها، والدعوة لدولة العدل والقانون والحريات، وإعلان احترام الموقعين لحقوق الإنسان، والتأكيد على الاعتماد على العنصر السوري في محاربة النظام في إشارة إلى استبعاد المقاتلين الأجانب، وهو ما تسبب بهجوم عنيف على زعيم الحركة من شرعيي النصرة وغيرها، ولكن الاختلاف والتبيان بين فصائل الجبهة أدى إلى تأخر تحقيق الجبهة وعودها في الاندماج. وقبل أيام من صدور قرار مجلس الأمن الخاص بـ«داعش»، بدأنا نشهد بداية مرحلة اندماج فعلي وتوحيد للقيادة في حلب بمسمى «الجبهة»، واندماج بين جيش الإسلام وصقور الشام، وإلغاء للأسماء التي اشتهرت بها تلك الفصائل قبل الاندماج، وكانت الخطوة الأبرز هي اندماج فصائل منضوية تحت الجبهة الإسلامية، وإعلان تشكيل جسم موحد باسم مجلس قيادة الثورة من 18 فصيلاً، من آيديولوجيات مختلفة ومتباينة، اجتمعت على هدف واحد من دون الإشارة إلى آيديولوجية محددة، وهذا التشكيل الجديد كان بمنزلة إرسال رسالة للولايات المتحدة، عن وجود تجمّع عسكري على الأرض يمكن الاعتماد عليه لو حظي بالدعم الكافي كشريك في مواجهة التنظيم. وكان من الملاحظ غياب «أحرار الشام» عن هذا التشكيل، وتبين أنها لم تحسم بعدُ وبشكل نهائي الانضمام إلى «مجلس قيادة الثورة»، فقبل أيام من عملية الاغتيال لقياداتها، أعلنت الحركة مباركتها للمبادرة وقبولها الدخول في اللجنة التحضيرية من أجل المشاركة في صياغة الاتفاق النهائي لتهيئة الدخول في هذا التحالف. عملية الاغتيال الأخيرة لقادة «أحرار الشام» جاءت في وقت تبذل فيه المساعي الدولية والإقليمية إلى تشكيل فصيل «معتدل» يكون ذراعاً للتحالف الدولي في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو ما جعل هذه العملية تفتح الباب أمام الكثير من الأسئلة، ولعل أكثر تلك الأسئلة إلحاحاً هو عن المسؤول والمدبر لعملية تصفية قادة «أحرار الشام» في هذا التوقيت وبهذه الطريقة، فأصابع الاتهام قد توجه إلى أكثر من جهة، يأتي على رأسها تنظيم دولة داعش والنظام السوري، فـ«داعش» يكن عداءً شديداً لقادة الحركة ويتهمهم بالردة والعمالة وأنهم صحوات الشام، فـ«أحرار الشام» تعتبر أشرس التنظيمات في قتال تنظيم الدولة الإسلامية، وقد فقدت الكثير من رجالها منذ بدء المواجهات معها في كانون الثاني (يناير)، ويعزز من هذا الاحتمال بأن لها سجلاً وتاريخاً في استهداف واغتيال قيادات من «أحرار الشام» منذ سبتمبر 2013، إذ اغتالت أبوعبيدة البنشي، وقتلت الطبيب حسين سليمان (أبو ريان) بصورة وحشية، وصولاً إلى اغتيال القيادي الأبرز أبو خالد السوري، إضافة إلى أن حسان عبود ألمح في تغريدة قبل أشهر إلى تهديده واستهدافه بالاغتيال من تنظيم الدولة، فتصفية وتفتيت قيادات الحركة قبيل الحملة الدولية، قد يؤدي إلى التقليل من حجم قوة وقدرة إحدى أقوى الفصائل المعادية لها، التي من المرجح أن تلعب دوراً كبيراً في قتالها، سواء أقاتلت تحت مظلة التحالف أم قاتلت في معزل عنه، ويجب أن يوضع في الحسبان أن القيادة الجديدة لـ«أحرار الشام» وعلى رأسها قائدها الجديد أبو جابر هاشم الشيخ، أمير الحركة في بلدة مسكنة التي شهدت أواخر العام الماضي أول أحداث دموية بينها وبين «داعش»، وسقط بسببها عشرات الجرحى والقتلى، لديه ثأر قديم مع «الدولة الإسلامية». وأما من ناحية النظام السوري فهو لا يزال يراهن على الدخول شريكاً في الحلف الدولي لمحاربة «داعش»، وهو ما يشكل طوق النجاة الوحيد له؛ لاستعادة شرعيته الدولية، لكن الرفض الذي قوبل به من الولايات المتحدة قد يدفعه باتجاه سحب البساط من تحت أقدام المعارضة المسلحة، وإضعاف قوتها على الأرض، عبر استهداف أكبر فصائلها، لمحاولة إقناع واشنطن مجدداً، بالقبول به شريكاً رئيساً في الحرب ضد «داعش».
مشاركة :