الانتشار الميليشياوي المحلي وتبعيته لإيران يجعل إمكانية الحد من تمددها قضية صعبة المنال إن كان سوريا أم عربيا، كونها ترتبط بقدرة شعوب المنطقة على تفعيل مشتركاتها الوطنية ومواجهة الطائفية وأدوات النفوذ الإيراني الأخرى.العرب هوازن خداج [نُشر في 2017/11/23، العدد: 10821، ص(9)] تتصاعد حدة الحديث في الأوساط الدولية عن سبل الحد من النفوذ والتمدد الإيرانيين، وتكثر التكهنات حول مستقبل الوجود الإيراني في سوريا، فمطالبة الأمم المتحدة بتاريخ 15 نوفمبر 2017 ميليشيات إيران بالانسحاب من سوريا التي تنم عن رغبة دولية بخروج هذه الميليشيات الطائفية اصطدمت بجدار شرعية هذا الوجود، وبربطه بدعوة النظام السوري لإيران ثم لروسيا التي تظن أنها المتصرف الوحيد في القرار السوري. والقرارات الأميركية التي تستهدف عزل إيران وفرض عقوبات عليها ووضع قوات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله على قائمة الإرهاب مع دعوتهما للخروج من سوريا، لا تنم حتى الآن عن وجود استراتيجية أميركية واضحة لطريقة إخراج هذه القوات، أو لآلية عزل إيران المتمددة في العديد من العواصم العربية. توجهات المشهد الدولي نحو محاصرة إيران وتقليم أظافر ميليشياتها في سوريا ما زالت بعيدة عن ضرب مشروعها التوسعيّ، فإيران التي اكتسبت منذ ثمانينات القرن الماضي خبرة في خلق جيوب لها في المنطقة وأمدّتهم بالمال والخبراء والسلاح تواصل مسيرتها في سوريا. فعدا عن تدريبها ودعمها المالي للعديد من الميليشيات السورية وعلى رأسها ميليشيا الدفاع الوطني وكتائب البعث والمغاوير، سعت إلى تأسيس ميليشيات سورية تأتمر بإمرتها مباشرة أو بإمرة الفصائل التابعة لها. فاستراتيجيتها المعهودة في استغلال القضايا العربية المفصلية والعالقة من قضية تحرير فلسطين وشعارات المقاومة، إلى نصرة المستضعفين والوقوف بوجه الإرهاب، يجري تطبيقها في سوريا بذرائع مشابهة، فتحرير الجولان صار ضمن اهتمامات إيران في تدريب فصائل سورية ونشر ميليشيات طائفية محلية تستطيع من خلالها الالتفاف على القرارات الدولية وذلك لامتلاك الشارع السوري. وقد جرت تسوية أوضاع المقاتلين في هذه الفصائل وتحويلها إلى قوات حكومية تحت مظلة القيادة العامة للجيش، اقتداء بإقرار البرلمان العراقي نهاية العام الماضي قانون تحويل ميليشيا الحشد الشعبي العراقية إلى قوات رسمية، وكان أولها بتسوية أوضاع ميليشيا فوج عشائر منبج/ رعد المهدي التي خرّجت الدفعة الأولى في 30 مارس 2017 والدفعة الثانية المؤلفة من أربعة فصائل في 27 أبريل 2017 وأشارت أن هدفها “الانتشار في كافة الأراضي السورية بما فيها لواء اسكندرون والجولان”. وسبقها تشكيل لواء تحرير الجولان التابع لحركة النجباء العراقية يد إيران في التغلغل داخل سوريا والذي أعلن عن تشكيله في 8 مارس 2017 بعد أيام من تحذير رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو من أن إيران تسعى إلى فتح جبهة ضد إسرائيل انطلاقا من الجولان السوري، وحيث صرح هاشم الموسوي المتحدث باسم النجباء أن “هذا اللواء مدرب ولديه خطط دقيقة ومكون من قوات خاصة، مسلحة بأسلحة استراتيجية ومتطورة”. أما اللواء 313 الذي أخذ صفة طائفية بتسميته على عدد قادة جيش المهدي حين ظهوره، وكونه من الشباب الشيعة في منطقة الجنوب السوري، فقد أعلن عن تشكيله خلال الشهر الجاري وتم افتتاح مكتب له في مدينة أزرع- ذات الأغلبية المسيحية- بريف درعا، والتي تبعد عن الحدود مع الأردن وفلسطين المحتلة نحو 30 كلم ليشكّل التفافا على الاتفاقيات الدولية بإبعاد ميليشياتها عن الحدود، ويزيد من حدة المخاوف بشأن تخريب اتفاق خفض التصعيد في الجنوب، كما أسست إيران خلال الفترة الماضية ميليشيا الحشد الشعبي السوري بالقرب من الحدود العراقية تمهيدًا لتوسيع نفوذها إلى دير الزور، وتولّت تدريب وتمويل ميليشيا العشائر العربية في مدينة القامشلي تحت قيادة نواف البشير. فإيران عدا عن تجنيدها المجتمع الشيعي والمتشيعين الجدد لخدمتها، تستهدف تجنيد الشباب السوري من المطلوبين للخدمة الإلزامية وتقديم ميزات مالية وصلاحيات ونفوذ لمنتسبيها، إذ يستلم العنصر بطاقة تحمل شعار “الحرس الثوري” تضمن له صلاحيات المرور السهل على حواجز النظام، وهذه الطريقة بالتجنيد أمنت لإيران حواضن بشرية منتشرة في معظم أنحاء سوريا، بحيث يمكنها البقاء بأكثر من وسيلة وطريقة ويصبح إخراج قواتها من سوريا لا يعني خروجها أو إضعاف وجودها. هذا الانتشار الميليشياوي المحلي وتبعيته لإيران تحت غطاء شعاراتها الرنّانة من شعار تحرير القدس إلى تحرير الجولان واستغلالها الصراع السوري لتثبيت وضع طائفي يناسب وجودها، يجعل الحد من تمددها قضية صعبة المنال إن كان سوريا أم عربيا، كونها ترتبط بقدرة شعوب المنطقة على تفعيل مشتركاتها الوطنية ومواجهة الطائفية وأدوات النفوذ الإيراني الأخرى التي تؤكد حقيقة واحدة هي تعزيز موطئ قدم لها في المشرق ولتبرير التوسع والهيمنة داخل الدول العربية. كاتبة سوريةهوازن خداج
مشاركة :