دمج الجاليات المسلمة في الغرب أقوى أشكال محاربة الإرهاب الغرب يعيش حالة حذر وخوف بسبب تزايد الأعمال الإرهابية. ويخشى مراقبون من توغل الإسلاموفوبيا بسبب استخدام الإسلام لإضفاء شرعية على القتل الوحشي واستهداف المدنيين. ويرى محمد البشاري أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي في حوار مع “العرب” أن الحل يكمن في دمج المسلمين بالغرب والتعاون لتجديد الخطاب الديني لمواجهة المتطرفين.العرب نادر أبوالفتوح [نُشر في 2017/11/23، العدد: 10821، ص(13)]مسلمو أوروبا والمسؤولية المضاعفة القاهرة – تتصاعد التحديات التي تتعرض لها الأقليات المسلمة في الخارج، نتيجة تصرفات داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، وتزداد موجات العداء للعرب والمسلمين، بعد تكرار جرائمه، ورغم أنه يعتمد على قواعد تخالف تعاليم الشريعة، إلا أنه نجح في السيطرة على عقول قطاع من الشباب، وسط فشل المؤسسات الدينية التي تتبنى الوسطية في مواجهة ذلك. وأوضح محمد البشاري أمين عام المؤتمر الإسلامي الأوروبي ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا لـ”العرب”، أن داعش تفوق على جماعات الإسلام السياسي في تجنيد شباب كثيرين، وهو ما يعني أن لديه ماكينة منظمة تستقطب الشباب. وشدد على ضرورة المواجهة الفكرية واستخدام الأساليب التي يستخدمها تنظيم داعش في تجنيد الشباب، وتصحيح المفاهيم وتوعيتهم بخطورة هذه الجماعات التي تتاجر بالشعارات وتخدعهم بأمور تخالف منهج الإسلام. وحذر في حواره مع “العرب” من خطورة ترك الفضاء الإلكتروني للجماعات المتطرفة، لأن داعش يمتلك أدوات إعلامية قوية، ولديه أكثر من 150 ألف ساعة علي اليوتيوب، ونحو 46 ألف معلومة يتلقاها يوميا على الإنترنت، وأكثر من 90 ألف رسالة يوميا علي تويتر، وهو ما يعني أن التنظيم لديه خطة للتحرك ترتكز علي قواعد شرعية نختلف معها، لكنها استطاعت أن تصل للشباب وتؤثر فيه، ويبني التنظيم قاعدة قوية على مواقع التواصل الاجتماعي. ورصد مراقبون في الآونة الأخيرة انتقال المئات من النشطاء المتطرفين من تويتر إلى موقع إنستغرام هربا من عمليات إغلاق وحجب الحسابات المتطرفة على تويتر.الجالية المسلمة ضحية للأفكار المتشددة التي حملها منتمون إلى جماعات إسلامية مثل جماعة الإخوان، التي سهلت لها الحكومات البريطانية المتعاقبة أنشطتها وتهاجم حكومات أوروبية الشبكات الاجتماعية بصورة مستمرة، متهمة إياها بالتقاعس في دحر تحركات الإرهابيين على الإنترنت والسماح لهم بتنسيق عمليات وتجنيد العشرات لارتكاب جرائم في المستقبل. ونجح داعش في تكريس شعاراته على الإنترنت ومحاولة إظهار نفسه كقوة ميدانية منظّمة على الأرض وليس جماعة جهادية مسلحة فقط، لكن تلك اللغة اختفت تقريبا في المواد الإعلامية بعد تقلص مساحة الأراضي التي سيطر عليها التنظيم، ليحل محلها خطاب جهادي يشجّع على الهجمات الانتقامية في أوروبا. ويزرع التنظيم أفكارا لدى جنوده القادمين من أوروبا تقوم على أن عزة الإسلام لن تعود إلا مع اندثار الحضارة الغربية، ويرى في أوروبا “العدو الأقرب والأخطر وأن عداءه تاريخي لم يتوقف منذ الحملات الصليبية في القرون الوسطى”. وأشار البشاري إلى أنه حاور الكثير من الشباب العائد من داعش، ووجد أن التنظيم أقنع الشباب بأنه الحلم المنتظر ويمثل الإسلام والخلافة والطريق إلي الجنة، وأن الشاب يمكن أن يذهب إلي الجنة خلال دقائق إذا ضحى بروحه من أجل إعلاء كلمة الله، الأمر الذي يدل على أن الشاب المنضم لداعش لا يبحث عن المال، وليست له أهداف سياسية أو دنيوية، وقد أقنعه بأفكار عقائدية تخالف الشريعة الإسلامية، واستطاع السيطرة على عقول الشباب، الأمر الذي فشلت فيه المؤسسات الدينية التي تمثل وسطية الإسلام. وبحسب دراسة أعدتها جامعة نيوكاسل عن أساليب وتحركات داعش الإلكترونية، يعتمد التنظيم في سياسة التجنيد على الإنترنت على ثلاثة توجهات أيديولوجية؛ التوجه الأول يتمثل في جذب المشاهدين باستخدام الدموية والعنف والمبالغة في إضفاء قوة على التنظيم من خلال المبالغة في عدد الضحايا والخسائر بالهجمات الإرهابية وإعلان المسؤولية عن كل حادث. والتوجه الثاني يكمن في عملية التجنيد والتركيز على جوهر الجهاد والاستشهاد ولقاء الله نظيفا بلا خطايا. أما التوجه الأخير، فيقوم على فكرة الانضمام إلى داعش الذي يبرز نفسه جيشا للخلافة الإسلامية وكل عنصر فيه حجر زاوية في عودة مجد الإسلام ومحاربة الفسق والفجور للوصول في النهاية للمعركة الكبرى المذكورة في بعض الأحاديث النبوية والتي سوف تكون نهاية حاكمة للعالم، يأتي بعدها يوم الحساب. وقال البشاري لـ”العرب” إن الشاب الذي يذهب لداعش ويفجر نفسه، لم يكن هدفه المال، لكن لديه أفكار معينة اقتنع بها، مثل أنه سوف يذهب إلى الجنة وسوف تلحق به الحور العين، وهذا يؤكد أن داعش سيطر بالفعل علي عقول هؤلاء الشباب، في ظل غياب المؤسسات الدينية الرسمية.محمد البشاري: وصول عدد من المسلمين لمواقع صنع القرار في الغرب، يزعج الأحزاب المتطرفة وأضاف أن تصرفات داعش وغيره من الجماعات المتطرفة، لها انعكاسات سلبية علي الأقليات الإسلامية، فعندما تكون هناك سيدة ترتدي الحجاب في الغرب، ينظر لها البعض على أنها إرهابية، والفتاة التي تعيش في المجتمع الغربي، ينظر لها على أنها مثل الفتاة التي تشارك مع داعش. ويشير مراقبون إلى أن الخلل الذي يعيشه العالم الغربي في الآونة الأخيرة بسبب كثافة الهجمات الإرهابية وكثرة الذئاب المنفردة في أوروبا والولايات المتحدة، يأتي بسبب انفصال الجاليات الإسلامية عن الواقع الغربي وعدم الاندماج في المجتمع بالشكل الذي يقف حاجزا أمام التطرف. وتعاني أوروبا من أزمة هوية كبيرة بسبب صعود اليمين الشعبوي المتطرف الذي يطالب بطرد المسلمين ويحذر من أسلمة أوروبا. ووجه البشاري نصائح للمسلمين الذين يعيشون في الغرب، تكمن في أهمية الاندماج في مجتمعاتهم، والعمل على توضيح حقيقة الإسلام، وأنه دين السلام والتعايش السلمي وقبول الآخر المخالف، والأمر يتطلب أن تكون هناك خطة عمل من جانب المؤسسات الدينية والمنظمات الإسلامية، في تصحيح صورة الإسلام والتواصل الفعلي مع الأقليات الإسلامية في الخارج. وأشار إلى أن وصول عدد من المسلمين لمواقع صنع القرار السياسي والثقافي والاقتصادي في الغرب، يزعج الأحزاب المتطرفة التي تسعى لتأصيل العداء للإسلام، والزعم بأن المسلمين يسعون لهدم الفكر والحضارة الغربية. ولفت إلى أن موجات العداء التي تزداد بعد جرائم داعش، تكاد تطال حوالي 450 مليون مسلم يعيشون حالة أقلية دينية في الغرب، وهذا يعني أن ثلث المسلمين تقريبا خارج العالم الإسلامي. ويعتقد متابعون لأوضاع الجالية المسلمة أنها ضحية للأفكار المتشددة التي حملها منتمون إلى جماعات إسلامية معروفة مثل جماعة الإخوان، التي سهلت لها الحكومات البريطانية المتعاقبة أنشطتها، وسمحت لها بإقامة مراكز دعوية وتربوية ورياضية لاستقطاب أبناء الجالية. ويرجح البعض أن بداية المواجهة المباشرة مع التطرف تأتي بحظر الأنشطة المشبوهة والتي تتخفى خلف جمعيات حقوقية وخيرية تنتشر في أرجاء أوروبا. واقترح خبراء في دول غربية أبرزها النرويج والسويد، إضافة مواد تدرس تعاليم الدين الإسلامي والقرآن لتقريب وجهات النظر والمساعدة في دمج شباب المسلمين بشكل أكبر بعيدا عن أئمة الفتنة والتطرف لخلق أجيال جديدة تقضي على الإرهاب. وطالب البشاري بأن يكون التواصل مع المسلمين في الخارج على أساس أنهم جزء من العالم الإسلامي، وليس علي أساس الأقليات أو الجاليات، لذلك فإن التعامل الصحيح مع المسلمين في الخارج يمكن أن يجعل منهم سفراء لنشر التسامح وقيم ومبادئ الإسلام. ودلل البشاري على قوة المسلمين في الغرب ومدى الدور الذي يمكن أن يلعبه المسلمون هناك في قضية تصحيح المفاهيم، والرد علي داعش وبيان سماحة الإسلام، موضحا أن عدد المسلمين في فرنسا تجاوز 10 ملايين مسلم، وعددهم يعادل حوالي 15 بالمئة من نسبة السكان ولهم من الثقل الذي يمكن أن يغير من الصورة التي تبرزها التنظيمات المتطرفة عن الإسلام. وأضاف أن المسلمين في الغرب، من الجيل الثاني والثالث أصبحوا في مواقع المسؤولية والتأثير، ومنهم وزراء ونواب في البرلمان ورؤساء برلمان، وهؤلاء يمكن أن يكون لهم دور في تفنيد الأكاذيب التي تربط بين الإسلام والإرهاب.
مشاركة :