د. تيسير التميمي * من المعلوم أن الاختلافات المذهبية في الفقه الإسلامي ليست في جوهر النصوص التشريعية الثابتة في الكتاب وصحيح السنة النبوية، وأنها لا تدل على انقسام المسلمين وتفرقهم، بل هي أكبر دليل على وحدتهم وعقليتهم الفذة المتميزة وقدرتهم على ممارسة الحوار المنظم، وأنها رحمة من الله تعالى، ولو أراد الله سبحانه أن يكون كلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا يحتمل إلا فهماً واحداً لفعل، ولكنّه عز وجلَّ جعل نصوص الكتاب والسنة قابلة للفهم بأكثر من احتمال لما في ذلك من توسيع على الأمة.وأشهر المذاهب الفقهية الإسلامية التي نشأت عند أهل السنة وأوسعها انتشاراً: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي والظاهري:* الفقه الحنفي نسبة إلى إمام الأئمة النعمان بن ثابت، ولد سنة ٠٨ ه، نشأ في الكوفة بالعراق، وتلقى أكثر علمه عن شيخه حماد مفتيها وإمامها ومرجعية العلم والعلماء فيها.برع أبو حنيفة في علم أصول الدين، ثم اتجه إلى الفقه الذي هو زبدة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وكانت له طريقة منفردة في تقرير المسائل الفقهية، فقد كان يعرض المسألة على تلاميذه (وهم من كبار العلماء) ليبدوا آراءهم فيها ثم يقوم هو بالتعقيب على هذه الآراء بالتصويب والتأييد وبالمناظرة والمشاورة، وكانت الثمرة أن أصبح تلامذته من كبار المجتهدين، أما أصول منهجه العلمي في الاجتهاد فالقرآن، فإن لم يجد فبالسنة النبوية، فإن لم يجد فبأقوال الصحابة، فإن لم يجد لجأ إلى القياس ثم إلى الاستحسان.ومن أشهر تلاميذه قاضي القضاة أبو يوسف رحمه الله، محمد بن الحسن الشيباني، وزفر بن الهذيل.* الفقه المالكي نسبة إلى إمام دار الهجرة مالك بن أنس، ولد سنة ٣٩ ه ونشأ في المدينة المنورة، أشهر شيوخه وأولهم ربيعة الرأي من كبار التابعين وصاحب الفتوى بالمدينة، جلس الإمام مالك مبكراً لرواية الحديث والإمامة والفتوى في المسجد النبوي، واشتهر في الفتوى حتى قيل: لا يُفْتى ومالك في المدينة، وتوفي رحمه الله سنة ٩٧١ ه.دوَّن الإمام مالك كتابه «الموطأ» (وتعني الممهد والمبسط) الذي يحتوي أحاديث للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو أول كتاب مهَّد الطريق لمن بعده في جمع الأحاديث وتدقيقها، وبه فتح الإمام مالك الباب للمؤلفين، أما أصول منهجه العلمي في الاجتهاد فهي عديدة وكثيرة ترتيبها: القرآن ثم السنة ثم الإجماع ثم إجماع أهل المدينة، ثم القياس ثم قول الصحابي ثم المصلحة المرسلة ثم العرف، ثم سد الذرائع ثم الاستصحاب ثم الاستحسان، ولعل المصلحة عنده أوسع الأصول وأشملها، بل كثيراً ما يقدمها هي والقياس على الأثر إن كان آحاداً. ومن أشهر تلاميذ الإمام مالك أسد بن الفرات وسحنون وعبد الله بن وهب.* الفقه الشافعي نسبة إلى فقيه السنة الأكبر محمد بن إدريس ولد سنة 150 ه في غزة، لكنه نشأ وتعلم في مكة المكرمة، أتقن العربية ثم انصرف إلى الفقه، أشهر شيوخه الإمام مالك وسفيان بن عيينة، ومن أعظم إنجازاته تدوين قواعد علم أصول الفقه في كتاب «الرسالة»، توفي رحمه الله سنة 204 ه.ومما يميز الشافعي أنه بانتقاله من العراق إلى مصر غيَّر اجتهاده في كثير من المسائل الفقهية، ، وأما منهجه العلمي في الاجتهاد فيقوم على اعتماد النص الشرعي أولاً (القرآن الكريم ثم السنة الثابتة) ثم على الإجماع ثانياً ثم قول الصحابة ثم القياس، وتميز في فقهه واجتهاده بالمزج بين مدرستي الحديث والرأي فتمسك بصحيح السنة ولم يهمل في الوقت ذاته صحيح القياس.ومن أشهر تلاميذه الربيع بن سليمان المرادي والقاضي يحيى بن أكثم وإسماعيل بن يحيى المزني.* الفقه الحنبلي نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل صاحب محنة خلق القرآن التي تمسَّك فيها بالقول الحق وثبت عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، فحبس وعذب خمس عشرة سنة تقريباً بدأت زمن المأمون ثم المعتصم ثم الواثق ابن المعتصم حتى جاء المتوكل فأزال هذه المحنة وأعاد إليه مكانته وقدره، ولد سنة ٤٦١ ه، نشأ في بغداد، برع في اللغة العربية وألف فيها، ومن أشهر شيوخه قاضي القضاة أبو يوسف وسفيان بن عيينة والإمام الشافعي، توفي رحمه الله سنة ١٤٢ ه. صنف الإمام كتابه «المسند» في الأحاديث النبوية، وهو من أجل ِّ كتب عصره، ورتب أبوابه حسب الرواة من الصحابة الذين زادوا على الثمانمائة صحابي، وأما منهجه العلمي في الاجتهاد فيقوم على الكتاب ثم السنة ثم إجماع علماء العصر من أهل الحل والعقد ثم قول الصحابي ثم القياس ثم المصلحة المرسلة.ومن أشهر تلاميذه ولداه صالح وعبد الله، وأبو داود صاحب السنن وأبو بكر الأثرم. * قاضي قضاة فلسطين سابقاً
مشاركة :