تتحول الرؤية الشعرية البعيدة لغرض شعري بسيط، حين نصفها بغزل أو رثاء أو مدح، ذلك أن الفكرة تتضح، والهوية الإبداعية تنقلب فقيرة في الممارسة الإبداعية، وهو أمر لا أحبذه وأراه غير محفز للقراءة التأويلية، وحتى أقارب المسألة أكثر فإن الغزل - مثلاً - لا يقف عند احتفاء الشاعر بحبيبته، بل يتجاوز ذلك للبحث في مكنون ذاتها، والسير على هيكل جسدها وشخصيتها، كما أن الشاعر يعيش مستغرقاً في النيل من مسافة عاطفته وعاطفتها، ووفقاً لكل ما سبق لا أعد الغزل وصفاً مناسباً للسلوك الإبداعي الذي يمارسه الشاعر مع حبيبته، بل أعده ضيق أفق. والمتتبع لبنية القصيدة العربية - قديماً وحديثاً - يجد الرؤية الذاتية وتفصيلاتها من (الأنا، الآخَر، الجسد، الروح، إلخ..) مسيطرةً على اللغة ومتكئة على المضمون مع اختلاف الأفكار والممارسة، وهذا تفسير للعاطفة الذاتية والشعور الإنساني وهما الباعثان الرئيسان لكتابة قصيدة شعرية. وقد رأى الباحث أحمد المعداوي في كتابه: (ظاهرة الشعر الحديث) أن الرؤية الشعرية تأتي معبرةً عن حالة المبدع الذاتية وعن توتراته الوجدانية مما يمكِّنه من نسج خيوط فكرته واقعاً وخيالاً (*)، ولو كان الغرض الشعري معبراً جاداً عن ماهيَّة اللغة الشعرية لتخلص من تعدد الموضوعات في نص شعري واحد.
مشاركة :